انقسام بين الاجهزة الامنية والمستوى السياسي: براك ربيد
يسود انقسام هام بين المستوى السياسي، وبالاساس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع افيغدور ليبرمان، وبين الضباط الكبار في جهاز الامن حول مسألة هل يجب على اسرائيل دفع الرئيس الامريكي دونالد ترامب للاعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران. هكذا يتبين من محادثات مع موظفين كبار وجهات في جهاز الامن، الذين يقومون بعلاج هذا الموضوع، لكنهم طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم بسبب الحساسية السياسية. في حين أن نتنياهو وليبرمان يعتقدان أن انسحاب امريكا من الاتفاق يخدم اسرائيل، فانهم في جهاز الامن يتحفظون من ذلك .
النقاش الداخلي في اسرائيل في هذه القضية مهم بشكل خاص، لأنه في 15 تشرين الاول القادم سيكون على الرئيس ترامب اعطاء “مصادقة جديدة” على الاتفاق النووي. في هذا الاطار سيبلغ ترامب الكونغرس اذا كانت ايران تلتزم بتنفيذ الاتفاق النووي أو أنها تقوم بخرقه. إن اعلان رئاسي بأن ايران تقوم بخرق الاتفاق سيعتبر “عدم موافقة” على الاتفاق، ومن شأنه تمهيد الطريق لتجديد فرض العقوبات الامريكية على المشروع النووي الايراني، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي وقعت عليه ايضا روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا.
موظفون كبار في اسرائيل أشاروا الى أن نتنياهو والسفير الاسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، يشجعون الرئيس ترامب ومحيطه ومستشاريه على عدم المصادقة على الاتفاق مجددا، والاعلان أن ايران تقوم بخرق الاتفاق. حسب اقوالهم، وزير الدفاع ليبرمان يؤيد موقف رئيس الحكومة. من المتوقع أن يلتقي نتنياهو مع ترامب في يوم الاثنين القادم على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. وسيكون مصير الاتفاق النووي احد المواضيع المركزية التي يتوقع ان يقوم رئيس الحكومة بطرحها على الرئيس الامريكي.
نتنياهو وديرمر يدفعان البيت الابيض الى فعل شيء وتنفيذ عدم مصادقة على الاتفاق النووي، قال موظف اسرائيلي كبير. “بالنسبة لرئيس الحكومة فان هذا هو الامر الاكثر أهمية الذي يمكن لترامب القيام به، وهو يأمل أن تكون النتيجة تجديد فرض العقوبات على ايران من قبل الكونغرس″.
في يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن اقتبست وكالة الانباء “رويترز″ اقوال شخصيات كبيرة في الادارة الامريكية، الذين زعموا أن اسرائيل غير معنية بانسحاب امريكا من الاتفاق النووي وهي تعارض الغاءه، سارع رئيس الحكومة نتنياهو بصورة علنية لنفي هذه الاقوال. نتنياهو قال ان موقف اسرائيل هو أن على ادارة ترامب “تعديل الاتفاق أو الغاءه”.
بعد يوم من ذلك، في خطابه بمناسبة احتفال حزب اسرائيل بيتنا برأس السنة العبرية، قال ليبرمان إنه يؤيد موقف نتنياهو. “الاتفاق لا يؤخر مشروع ايران النووي حتى ولو ليوم واحد. وهي معنية بعدم خرق الاتفاق”، واضاف “الاتفاق لا يعيقهم. وهو لا يمنعهم من الاستمرار في البحث والتطوير لاجهزة الطرد المركزي وهم غارقون في البحث والتطوير. الاتفاق لا يمنعهم من مواصلة البرنامج العسكري وهم يواصلون في الصواريخ والرؤوس الحربية ويفحصون الدقة والمدى. كل من حاول فحص مواقع البرنامج العسكري، قال له الايرانيون لا. إنهم يواصلون البحث والبرنامج العسكري. وعندما تنتهي مدة الاتفاق سيكون كل شيء جاهز″.
موقف نتنياهو وليبرمان الذي تم التعبير عنه مؤخرا بتصريحات علنية، يختلف عن موقف معظم المستويات المهنية في اسرائيل – “أمان” (جهاز الاستخبارات العسكرية) وقسم التخطيط في جيش الدفاع الاسرائيلي والموساد ووزارة الخارجية ولجنة الطاقة النووية. أولا، على الرغم من توق نتنياهو الى أن يقوم الرئيس ترامب بالاعلان أن ايران لا تطبق الاتفاق النووي، فان كل الجهات الاستخبارية في اسرائيل التي تعنى بالموضوع الايراني، متوحدة في رأيها أنه في السنتين والشهرين الماضيين منذ توقيع الاتفاق في فيينا، لم يتم ضبط ايران وهي تخرق أي بند من بنود الاتفاق. ليس في أيدي اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية أي دليل على أن ايران حركت من جديد المشروع النووي، خلافا لتعهداتها.
حسب وكالات الاستخبارات في اسرائيل، يتبين الجهد الذي تبذله ايران من اجل الوفاء بالاتفاق، بصورة تحقق لها افضليات في علاقاتها مع المجتمع الدولي. صورة مشابهة تظهر ايضا من اعمال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية ومن التقارير الدورية التي ينشرها مدير عام الوكالة، يوكيا أمانو.
ثانيا، في حين ان نتنياهو وليبرمان يأملان بأن يعمل الرئيس ترامب على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فانهم في جهاز الامن الاسرائيلي والاستخبارات ووزارة الخارجية يعتقدون أنه رغم أن الحديث يدور عن اتفاق سيء بالنسبة لاسرائيل، إلا أن احتمالية خيار الانسحاب الامريكي سيخلق وضع أسوأ. المستويات المهنية في الحكومة الاسرائيلية تعتقد أن انسحابا امريكيا من الاتفاق لا يؤدي الى انسحاب الدول الاخرى، لن يؤدي الى عزلة ايران. ولن يؤدي الى تجديد فرض العقوبات الدولية، بل سيؤدي فقط الى انقسام المجتمع الدولي وسيمس باستمرار مواصلة المشروع النووي الايراني.
حسب مصدر اسرائيلي كبير، فان نتنياهو وليبرمان يعتقدان أن المجتمع الدولي منقسم أصلا. وخاصة على ضوء العلاقات الواهية بين الولايات المتحدة وروسيا، ولا يبدو أن النظام الدولي مستعد لاتخاذ قرارات جدية – الامر الذي حسب رأيهم ظهر في الازمة الحالية حول المشروع النووي لكوريا الشمالية. نتنياهو وليبرمان يعتقدان أنه اذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضت من جديد عقوبات شديدة على ايران مثل حظر الاتجار مع الولايات المتحدة لكل من يتاجر مع ايران، فان هذه الخطوة ستردع شركات اوروبية كبيرة مسؤولة عن معظم الاستثمارات في ايران، تلك الاستثمارات التي تمكن ايران من أن تزيد بصورة كبيرة ميزانية أمنها.
في جهاز الامن الاسرائيلي يعتبرون أن المهمة الاكبر لوكالات الاستخبارات في السياق الايراني هي التأكد من أن ايران لا تنحرف عن الاتفاق ولا تقوم بانشاء قنوات سرية غير مباشرة، من اجل تطوير مشروعها النووي. جهاز الاستخبارات الاسرائيلي يعتقد أن هناك مصلحة اسرائيلية واضحة للعمل على تحسين الاتفاق، بالاساس بواسطة تشديد الرقابة الدولية على المنشآت النووية الايرانية، ايضا على ضوء الدروس من التوترات الحالية مع كوريا الشمالية، التي تجسد فشل المجتمع الدولي في علاج التهديد النووي القادم.
كما هو معروف، لم تعط لنتنياهو توصية من قبل جهاز الامن للعمل على اقناع الادارة الامريكية لأن تلغي بصورة كاملة اتفاق فيينا أو الانسحاب منه. جزء من الاوساط في جهاز الامن ايضا يتشككون بامكانية القيام بتحسين الاتفاق، وتجنيد روسيا لهذا الغرض، والصين والاتحاد الاوروبي، وفرض شروط جديدة على ايران. حتى هذه الاثناء لم تعد في اسرائيل وفي الولايات المتحدة خطة مفصلة لمواجهة امكانية انتهاء الجهود لتحسين الاتفاق بالفشل، وحدوث انفجار جديد بين المجتمع الدولي وايران.
لقد اشار موظفون اسرائيليون كبار الى أن النقاش العلني في اسرائيل حول مستقبل الاتفاق النووي مع ايران يشبه الى درجة كبيرة النقاش الداخلي الذي يجري حول المسألة في الادارة الامريكية. الرئيس ترامب صرح عدة مرات بشأن رغبته في الانسحاب من الاتفاق النووي والغائه، لكن رؤساء المؤسسة الامنية – السياسية، وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الامن القومي هاربر ماكماستر ووزير الخارجية ريكس تلرسون، يتحفظون من الانسحاب من الاتفاق ويخافون من أن هذا الامر يمكن أن يخدم ايران، ويعتقدون أن من الافضل التركيز على اعمال لوقف النشاطات السرية الايرانية في ارجاء الشرق الاوسط.
“كما هو الامر في الولايات المتحدة، ايضا لدينا هناك خلاف.لا شك في ذلك”، قال موظف اسرائيلي كبير. “اذا سئل نتنياهو وليبرمان فهما يريان بنفس المنظار الاتفاق النووي مع ايران، ولكن المؤسسة الامنية في اسرائيل ليس بالضرورة أن ترى المسألة من هذا المنظور”.
هآرتس