قطبا العالم والاستفتاء البارزاني البروفيسور كمال مجيد
استيقظ ضحايا انحراف وانهيار المعسكر السوفياتي سنة 1991 ليبتلوا بـ “النظام العالمي الجديد” الذي شرحه جورج بوش (الاب) في مبدأ “تأديب كل من يقف ضدنا” الذي أقتطفت الغارديان منه في 25/3/1991 يقول :
“في الحالات التي تجابه الولايات المتحدة عدواً ضعيفاً علينا قهره بصورة حاسمة و سريعة… ذلك لأن أي تصرف آخر سيكون بمثابة العار لنا وسيقلل من هيبتنا السياسية في العالم”، لا توجد اشارة واحدة للديمقراطية في هذا المبدأ لأن جورج كينان سبق والغاها سنة 1948 حين قال: “اننا نملك 50% من ثروة العالم ولكننا نكون 6% من سكانه. ..ولصيانة هذا الوضع المتباين علينا ان نتوقف عن التفكير حول حقوق الانسان، حول رفع مستوى المعيشة وحول انعاش الديمقراطية”، راجع:
John Pilger, Hidden Agendas, Vintage 1998, p 51
وبعد 50 سنة سأل الوزير جيمس شليسينغر في مجلة الشؤون الاجنبية : “هل حقاً نرغب في تقديم الديمقراطية كطريقة ملائمة للحكم في المجتمعات الاسلامية ونطلب مثلا ً تغيير المؤسسات في السعودية العربية؟ أن الجواب المختصر هو: كلا، اننا عملنا لسنوات على المحافظة على هذه المؤسسات..” راجع
Foreign Affairs, Vol. 72, No. 21, 1998, p 20
لقد عاشت شعوب العالم تحت القطب الامريكي الاوحد الذي استمر في استغلالها، بل قتلها بالاسلحة الكيمياوية، كما سبق وحدث في فيتنام ولاوس وكمبوديا وبعدها في باناما او بالاسلحة المغطاة باليورانيوم كما حدث اثناء تحطيم العراق وافغانستان واثناء تفتيت يوغسلافيا. وللتأكيد على استمرار جبروتها عززت امريكا وجودها “في 750 قاعدة عسكرية منتشرة في 130 دولة من غير منافس″ كما ذكر محسن عقيل، الباحث في العلاقات الدولية، في رأي اليوم في 28/1/2017. ثم استمر القطب الاوحد في تحطيم الصومال والسودان وسوريا وليبيا بعد احتلال نيكاراغوا وهايتي وغرينادا وهو الأن يهدد ايران وفنزويلا وكوريا الشمالية بل وحتى البرازيل واكوادور.
اضافة ً الى قصف اليابان بالقنابل الذرية وقتل واحد ونصف مليون انسان في الحرب الكورية دبرت امريكا الانقلابات العسكرية في اندونيسيا ضد سوكارنو ثم ضد سوهارتو وفي الفلبين ضد ماركوس وضد الرئيسة كوري اكينو وفي ايران ضد الدكتور مصدق وفي العراق ضد عبدالكريم قاسم وفي كونغو ضد مبوتو وفي هايتي ضد ارستيد وفي جورجيا ضد شفرنادزا وفي البرازيل في 31/3/1963 وفي شيلي ضد ايندي مع اختفاء 130 الف مواطن هناك كما دونه كليرمونت في Rise and Fall of Economics Liberalism, لدى كاتب هذه السطور شريط فيديو تشرح فيه هيلاري كلينتون بأن امريكا شكلت منظمة (المجاهدين) في افغانستان ضد السوفييت وتصرح بان هذه المنظمة تحولت الى المنظمة الارهابية المعروفة باسم القاعدة التي تحول قسم منها الى داعش فيما بعد.
في مثل هذه الظروف التعسة ، ونتيجة التهديد الامريكي الصاروخي المباشر ضد روسيا من بولندة وجورجيا واوكرانيا وضد الانتعاش الاقتصادي المدهش في الصين، تكونت نواة القطب المعاكس لحلف الاطلسي على شكل تكتل اقتصادي بين روسيا والصين اضافة الى الهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية، المعروف بكتلة ((بريكس)). ثم تكونت سنة 2003 منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والسياسي المكونة من روسيا والصين وقرغيزيا واوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان. وانضمت اليها الهند وباكستان في 9/6/2017 وتعمل ايران وتركيا الاقتراب منها، بعد التقارب الستراتيجي بينهما.
لحماية نفسها من الابتزاز الامريكي من الضروري أن تتجه الشعوب الضغيفة الى هذا القطب الفتي وخاصة ً اثناء المؤامرات التي تدبرها وكالة المخابرات المركزية، وهذا ما فعلت سوريا بنجاح، او حين تقصفها الطائرات الاطلسية اوالاسرائيلية، كما حدث في ليبيا وفلسطين ولبنان. ان الدول المشتركة في هذا القطب الجديد لا تدعي الاشتراكية ولكنها دول مجاورة تعمل على تجنب المصائب الامريكية التي تطورت الى مرحلة “الفوضى الخلاقة” لكوندليزا رايس.
بالطبع تعمل امريكا على مقاومة القطب الحديث بل حتى اتهامه بالارهاب ، كما فعل وزير الدفاع الامريكي، جيمس ماتيس، في وصفه لايران. ولهذا هناك الآن منافسة واضحة بين اقطاب حكومة المحاصصة في العراق، حيث ينحاز حيدر العبادي والجبوري والنجيفي الى القطب الامريكي ويقاومهم المالكي والحشد الشعبي. فيتدخل ماتيس وتيلرسون وترامب ومن لف لفهم ليتهموا ايران بالتدخل في الشؤون الاقتصادية والعسكرية العراقية. هناك حالة مشابهة، بل دموية، في كل من اليمن وسوريا وليبيا والتي لا تختلف كثيرا ً لما يجري في تركيا. ليس القصد هنا طرد ايران من المنطقة ، لأنها موجودة جغرافياً وملتصقة بجيرانها بل الغرض هو اشغال الكل بالخلافات القومية والطائفية وعزل ايران عن سوريا وثم مهاجمتها بحجة مكافحة الارهاب المجوسي. هناك اذا ً ضرورة ماسة لتوحيد كل القوميات والطوائف والاديان في عموم المنطقة ، وكلها مضطهدة ومهددة، وذلك للوقوف ضد الهجمة الامريكية الشرسة. ان وجود 750 قاعدة امريكية في 130 بلد يؤكد ايضاً على ضرورد توحيد كل هذه البلدان ضد الجبروت الامريكي. بالتأكيد جاء التقارب الستراتيجي بين ايران وتركيا كخطوة مفيدة، قد تشاركهما مصر والسعودية والعراق.
على شعبنا الكردي ان يدرك بأننا نمينا في هذه المنطقة المبتلاة بالتسلط الاستعماري الامريكي وان مشاركتنا في تفرقة الصفوف، بحجة حق تقرير المصير، سوف لا تجلب الرفاه لشعبنا ولا لجاراتنا. علينا ان نتعلم من تجربة الحروب التي استخدم المستعمرون فيها مرتزقتنا منذ سنة 1960 لمحاربة حكومة عبد الكريم قاسم وكل الحكومات التي تلتها بحجة نيل الاستقلال. كأننا لو انفصلنا من العراق سننتقل الى مكان بعيد من الشعوب المحيطة بنا. لنعترف، مثلما اعترف جلال الطالباني، بأن الحزب الديمقراطي الكردي لم يرفع السلاح لتحرير الاكراد. لأن السلاح كان ملكا ً لشاه ايران وامريكا واسرائيل رفعها الحزب لتخريب العراق وتفتيته. يشرح جلال في مقابلته مع مجلة الوسط اللندنية، العدد 357 في 20/11/1998 بأن امريكا اتفقت مع شاه ايران لتحريك الاقطاعيين الاكراد، بقيادة الجنرال ورهام الايراني، ضد عبد الكريم قاسم. فاتصل هؤلاء بالحزب، الذي كان حليفا ً لقاسم حينذاك، لخيانته ورفع السلاح ضده. ويضيف الطالباني: (( بعد دراسة الموقف في حزبنا تولد اتجاهان: الأول على رأسه ملا ( مصطفى) وكنت أنا اقوده ..) وقد رأى هذا الاتجاه: “ان هذه الحركة تستغل المشاعر القومية الكردية واخافة عبدالكريم وما علينا سوى العمل ضمنها … والسيطرة على قيادتها… وبالتالي نحن نتولى العمل المسلح الحقيقي ضد عبدالكريم قاسم”.
هكذا تمكن الحزب الكردي، بمساعدة الشاه، من الاتصال بأمريكا واسرائيل لتلقي المساعدات المالية والعسكرية منهما كما هو مدون في كتاب هنري كيسينغر، راجع:
Years of Renewal, PhoenxPress, London, 1999, p. 80
فعلاقة الحزبين الكرديين بالقطب الامريكي عتيقة وبدونها لما استمرت حركتهما المسلحة ضد كافة الحكومات العراقية والتي سهلت سقوط قاسم اولا ً ثم سهلت الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003.
مثل اي شئ آخر تطورت الحركة الكردية فانشقت سنة 1964 وامتازت بالحروب الدموية بين كتلة البارزاني وكتلة جلال حتي اتفاقية واشنطن في ايلول/ سبتمبر 1998. وتدريجيا ً تبلورت الحركتان في حزبين منفصلين ، هما البارتي الديمقراطي الكردستاني لمسعود والاتحاد الوطني الكردستاني لجلال. اجبر الموقع الجغرافي لمسعود ان يربط نفسه بتركيا بينما اضطر جلال ان يقترب من ايران ليتجنب حصار منطقته من قبل خصمه مسعود من الشمال الغربي ومن قبل سوريا والقسم العربي من العراق من الجهات الاخرى.
بطبيعة الحال يتأثر الحزبان بالتغيرات التي تشمل المنطقة المحيطة بهما. فايران اضطرت الارتباط ستراتيجياً بروسيا والصين بينما بقيت تركيا عضواً في حلف الاطلسي ومرتبطة دبلوماسيا ً باسرائيل. فعليه قرر مسعود الانحياز الكلي لحلفاء تركيا.
الا ان الامور لا تتغير حسب نظرية الاستقامة ( راجع كمال مجيد، نواقص الماركسية المعاصرة واسباب عدم تطورها، دار الحكمة، لندن، 2000 ميلادية.) وان الرجات الزلزالية التي احدثتها الفوضى الخلاقة، المنتجة لما سمي بـ ((الربيع العربي))، هزّت حتى اثرياء الخليج. من الجهة المقابلة قذفت بتركيا نحو روسيا وايران. والمدهش يشاهد القارئ في الفيديو المرفق:
https://www.facebook.com/1492388670973919/videos/2128460344033412/
مقابلة بين نيجيرفان البارزاني، رئيس وزراء اربيل وهو جالس مع بوتين، رئيس جمهورية روسيا الاتحادية، ويترجى منه ان يجهز تركيا بصواريخ اس 400. ويجزم الفيديو بأن نيجيرفان سافر الى موسكو بناء ًعلى طلب من اوردوغان ليتوسط ويقنع بوتين بمساعدة تركيا في هذا الخصوص. وبعد ان نجح نيجيرفان في مهمته استغرب حلف الاطلسي لاتجاه العضو التركي لشراء السلاح من العدو الروسي. يتبع
لا يستطيع مسعود الانفصال عن العراق بمفرده بل بعد صدور قرار اكيد من الإدارة الامريكية. ولما كانت هذه الإدارة تمر في مرحلة حرجة بعد انتخاب ترامب لا يعلم مسعود، ولا أي كردي آخر، شيئاً عن قراراتها. ثم ان أمريكا الآن تحتل كل العراق وراضية من حكومة حيدر العبادي فلا تحتاج الى تقسيمه، ولهذا طلب وزير الخارجية تيلرسون من مسعود ان يؤجل الانتخابات الى اجل أخر. لقد طالب الاتحاد الاوروبي حتى الغاء الانفصال. كل هذا قد اجبر نيجيرفان من الاتجاه الى روسيا مثلما فعلت تركيا. في مثل هذه الظروف المتبدلة والمعقدة من الضروري لكل الاكراد ان يتمسكوا بالتعقل ولا يجازفوا في ادخال شعبنا في مصيبة قاتلة بحجة الاستقلال او الاستفتاء.