منظومة هيمنة بجناحين
غالب قنديل
للوهلة الأولى وبعد قمة الرياض تخيلت السلطات السعودية ان إدارة الرئيس ترامب ستلقي بثقلها لمساندة المملكة في إخضاع قطر وتركيا داخل المنظومة التابعة التي تجمع الدول الإقليمية الثلاث الغارقة في ازمات واحداث نتجت عن فشل مخطط الهيمنة الأميركي الذي تورطت جميعها في تنفيذه وخدمته خلف الإمبراطورية الأميركية وبالتعاون الوثيق مع الكيان الصهيوني.
اولا انقضت سبعة أعوام من الحروب بالوكالة والمؤامرات التي دمرت اليمن وأحرقت سورية والعراق ومزقت ليبيا وهزت مصر وهددت لبنان وامنت تغطية مستمرة لمواصلة ابتلاع فلسطين ولاستهداف المقاومة ولمحاولة النيل من إيران وقد قامت الرياض واسطنبول والدوحة بكل ما كلفت به من تشغيل جيوش المرتزقة وشبكات الجواسيس وغرف العمليات الإعلامية والمخابراتية وارتكاب المجازر وتهجير الملايين وتدمير مدن عن بكرة أبيها في العديد من الدول وكان الشركاء الثلاثة معا في السراء والضراء يتوزعون الأعباء والتكاليف والمهام بانضباط شديد ولم يدعوا مجالا لثغرة تبعد بينهم .
عندما وقع الانشقاق في قلب المحور كانت الساعة لحساب تكاليف الفشل ولم تكن أبدا ساعة اقتسام المغانم فالفشل والهزيمة اللذين حلا بتلك الغزوة الاستعمارية التي تجندوا لها كحكومات تابعة للهيمنة الاستعمارية الصهيونية فرضت على كل منهم وفقا لمصالحه الخاصة تمايزا عن شركائه وخصوصية واضحة بلا أي التباس والخلاف الناتج عن تباينات في المصالح والمواقع ظل مغيبا سابقا وبقوة لصالح “وحدة الصف” تحت اللواء الأميركي في مراحل الغزوة الأولى وعندما تلاحق الفشل في سورية ومصر وسادت الخيبة بدأ افتراق الحسابات بالظهور والتبلور.
ثانيا لم يمانع السيد الأميركي في تكريس الانشقاق داخل منظومة العملاء ووجد فرصة تناسبه فعلق بازار الصفقات وحلب الأموال بين قطر والسعودية عندما وقعت الأزمة وهذه عملية مفتوحة مستمرة ولا يخطئن احد ويسيء الظن بولاء قطر او تركيا لواشنطن وخدمتهما الوثيقة للهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة ولايستبعدن احد ان يخطر للسيد ترامب استغلال الأزمة المستجدة لإدخال الشركات الأميركية في منافسة مع تركيا وإيران على تزويد قطر بالخضار والفاكهة جوا فالبيزنس قاعدة اميركية ثابتة في العلاقات الدولية ومع هذا الرئيس وفي ظل الركود الخانق في الحواضر الرأسمالية الغربية هي تحتل المكانة الأولى.
يوزع المخططون الأميركيون المهام على أتباعهم وقد باتت منظومة الحكومات التابعة بجناحين وبلائحتي مهام الثابت فيها خدمة المصالح الأميركية الصهيونية ومراعاتها في كل شاردة وواردة فالجناحان منضبطان في مراعة مصالح الكيان الصهيوني رغم استمرار الاشتباك السياسي والإعلامي الذي تعيد واشنطن توظيفه بألف وسيلة وهم راكموا خبرات وفيرة في هذا المجال فقد كان موقف قطر وتركيا وفرنسا المختلف خلال حرب تموز هو الغطاء الفعلي الذي سمح بتنفيذ التحضيرات السياسية والمخابراتية للحرب على سورية خلال خمس سنوات من العناق المسموم وحين حانت ساعة إعلان الهجوم العدواني لتدمير القلعة السورية جمع الأميركي اتباعه المختلفين في غرف عمليات واحدة حصد فيها جنرالات البنتاغون وقادة الاستخبارات ولاء واستماتة في الطاعة والانضباط بينما لمست واشنطن سخاء سعوديا قطريا خليجيا في تمويل الخطط التنفيذية الدموية.
ثالثا أسندت الولايات المتحدة إلى المملكة السعودية ودولة الإمارات مهمة مركزية هي احتواء الحكم القائم في مصر وابتزازه بحاجته الملحة إلى الأموال لضمان عدم انتقاله إلى الحلف الروسي الإيراني او اتخاذه مبادرات طموحة في العلاقة مع سورية بينما اوكلت إلى قطر وتركيا مهمة احتواء وحماية القوة الاحتياطية الدائمة في البلاد العربية والعالم الإسلامي التي ولدت في رحمها المخابرات البريطانية والأميركية شبكات الإرهاب بأجيالها المتعاقبة منذ تأسيس تنظيم الاخوان المسلمين وخصوصا منذ إنشاء شبكة القاعدة في أفغانستان الوالدة الفكرية والتنظيمية لداعش والنصرة ولعشرات التنظيمات التي تناسلت في العالم.
ما زال الأخوان المسلمون يستضافون في لندن مع قنواتهم الفضائية وهم تجولون في واشنطن داخل قاعات الكونغرس حيث يلقون خطبهم مع كامل التسهيلات والموارد اللازمة وتنتشر مكاتبهم الواجهية وخلاياهم في كل مكان ولايشبه حظوتهم في المانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وسائر دول الناتو سوى ما يخصص من الرعاية الغربية لعصابة مجاهدي خلق الإيرانية وهنا تحددت مهمات قطر للتمويل والإعلام وتركيا للمنصات التنظيمية والخدمات اللوجستية فالأخوان قوة احتياطية حافظ المستعمرون الغربيون على هياكلها في حالتي الخمود والتفعيل .
رابعا العلاقات مع إيران وروسيا التي تقيمها تركيا وقطر ليست ممنوعة ولا مرفوضة بل هي قابلة لإعادة التوظيف كما حصل سابقا بعد حرب تموز 2006 فالولايات المتحدة مدركة لميزان القوى الذي يرسم حدودا لتدخلاتها في سورية وهو نفسه يجبر تركيا على مراعاة الدور الروسي النوعي في سورية وحيث لم يلو الرئيس فلاديمير بوتين ذراع أردوغان إلا بالمعادلات القاهرة.
ينبغي الانتباه هنا لكون المصالح التجارية بين موسكو وطهران واسطنبول كانت قائمة وظلت تنمو وتزدهر في ذروة الاختلاف حول سورية ولم تكن واشنطن ممانعة لذلك أبدا بل هي تراهن على كبح التحولات الجذرية في المواقف الروسية والإيرانية عن هذا الطريق وهي تعرف جيدا أيضا حجم التشابك القطري الجغرافي مع إيران خصوصا في موارد الغاز المشتركة التي تملي حاجة قطرية لمراعاة إيران ولعلاقة جيدة مع روسيا كشريك في السوق العالمية وهذه ميزة تتيح لواشنطن تأثيرا غير مباشر عن طريق الدوحة واسطنبول ومعرفة دقيقة بالعديد من الملفات الاقتصادية والاستراتجية التي تقلق المخططين في العاصمة الأميركية.