تركيا تبتعد عن الغرب: الداد باك
وقعت يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع هزة أرضية سياسية قوية للغاية، على مستوى عالمي، لا يزال من الصعب قياس آثارها. فلأول مرة منذ أن أقيم الحلف العسكري لشمال الأطلسي، الناتو، قبل نحو سبعين سنة بهدف التصدي للتحدي العسكري المحدق من الاتحاد السوفييتي وحلفائه، أعلن عضو في هذا الحلف نيته شراء سلاح متطور من روسيا. فقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسميا بأنه وقعت صفقة بين بلاده وموسكو على شراء منظومات دفاع أرض ـ جو تتضمن توريد الصواريخ الروسية الحديثة من طراز اس 400 .
حتى الآن كانت تركيا متعلقة بمنظومات صواريخ دول أخرى، أعضاء الناتو. ومع وصول منظومات الدفاع الروسية ودخولها حيز الاستخدام سيقع أمران: أولا، تركيا ستحقق قدرة دفاع مستقلة لم يكن لها مثيل حتى الآن. ثانيا، ستضطر دول الناتو إلى تقليص التعاون العسكري مع تركيا، خشية تسرب معلومات أمنية حيوية إلى أياد روسية.
بعد أن أبعد اردوغان بلاده عن أوروبا، يعمل الآن على إبعاد تركيا عن الناتو وعن الغرب في إطار مساعيه لجعل تركيا قوة عظمى إقليمية عالمية مستقلة، غير متعلقة بأي حلف. وقد علل اردوغان صفقة السلاح مع روسيا بقوله: «لا يحق لأحد أن يبحث في مبادئ الاستقلال لتركيا أو قراراتها بالنسبة لصناعة الدفاع عنها. نحن ملزمون باتخاذ خطوات أمنية للدفاع عن بلادنا».
هذا القرار الدراماتيكي أدى، كما كان متوقعا، إلى توتر شديد في واشنطن وفي بروكسل ـ مقر قيادة الناتو. وأوضحت مصادر رفيعة المستوى في الناتو بدبلوماسية شديدة بأنه مع أن الحلف لا يمنع أعضاءه من شراء اسلحة من دول ليست أعضاء فيه، ولكنه لا يوصي بشراء أسلحة لا تتطابق والأسلحة التي لدى باقي أعضاء الحلف. كما أنهم في الناتو غير راضين عن أن تركيا لم تكلف نفسها عناء اطلاع شركائها في برامج مشترياتها.
في نظرة إلى الوراء، لا تخفي أنقرة نيتها لتحقيق قدرة دفاع أرض ـ جو مستقلة عن الناتو. فصفقة الشراء مع الصين أفشلت قبل أربع سنوات في أعقاب ضغوط أمريكية. أما هذه المرة فلم تسمح تركيا بإحباط الصفقة. فضلا عن ذلك، فقد تغيرت الظروف الدولية بشكل كبير: اردوغان يدّعي بأن الغرب وقف خلف محاولة الانقلاب العسكري ضده العام الماضي، وإن لم يكن لديه أدلة على ذلك. وهو يستغل هذا الزعم كي يبرر ابتعاده المخطط له على أية حال عن الغرب وبالتوازي يقيم في تركيا «دكتاتورية»، تذكر بنظام بوتين.
من الصعب التصديق بأنه بعد سنتين فقط من إسقاط طائرات سلاح الجو التركي طائرة قتالية روسية قرب الحدود التركية السورية وتدهور العلاقات بين الدولتين إلى حافة المواجهة، نجح اردوغان في استكمال مصالحة على هذا القدر من الاستعراضية مع موسكو على حساب الحلف التاريخي لبلاده مع الغرب.
وسبق نشر البيان عن صفقة السلاح عدة خطوات غربية منحت اردوغان ظاهرا الختم لتشريع خطوته: في الولايات المتحدة فتحت إجراءات قضائية ضد حراس الرئيس التركي، ممن هاجموا بعنف متظاهرين من معارضيه في أثناء زيارته إلى واشنطن في الربيع الماضي وضد مسؤولين أتراك بينهم وزير الاقتصاد السابق المتهم بمساعدة إيران على تجاوز العقوبات الدولية. كما أن مجلس الشيوخ الأمريكي منع بيع السلاح لحراس اردوغان. وفي برلين أعلنت الحكومة الألمانية إرجاء صفقات السلاح كلها مع تركيا في أعقاب تفاقم وضع حقوق الإنسان في هذه الدولة. وسبق ذلك قرار ألماني لإخراج قوات «بوندسفار»، التي تشارك في القتال ضد داعش في سورية، من قواعد في جنوب تركيا إلى الأردن. كما تعمل ألمانيا من خلف الكواليس لمنع انعقاد قمة الناتو المقبلة في 2018 في تركيا. فهل التقارب بين أنقرة وموسكو سيؤثر في الخلافات الجوهرية بين الدولتين في كل ما يتعلق بالحرب في سورية والوضع في العراق؟
بوتين وقف حتى الآن بعناد شديد إلى جانب الأسد. تركيا دعمت على الملأ قوات الثوار. روسيا تؤيد الاستفتاء الشعبي للاستقلال للإقليم الكردي في شمال العراق. تركيا تعارض ذلك بشدة. ولكن للطرفين توجد الآن حسابات أهم يصفيانها مع الغرب.
اسرائيل اليوم