ملحمة سورية تغير المنطقة
غالب قنديل
رسم الرئيس بشار الأسد قاعدة تنم عن حكمة ورصانة عندما لم يستعجل إعلان النصر على العدوان الاستعماري وقال إن فشل العدوان لا يعني الانتصار النهائي وهذه الرؤية الواقعية تعكس فهما عميقا ودقيقا لطبيعة الكفاح الذي يقوده الرئيس الأسد ومعه حلفاء سورية الكبار وشعبها وجيشها.
أولا ثمة وقت ضروري لا بد منه وتضحيات لا يمكن التنبؤ بها في الفصول الباقية لتحرير كامل التراب الوطني السوري ولطرد القوات الأجنبية التي تعاملها الدولة الوطنية كقوات احتلال سياسيا ومبدئيا مع وقف التنفيذ بالنظر لأولويات التخلص من عصابات الإرهاب لكن تلك الغاية التي تكررها البيانات الرسمية السورية باتت على جدول الأعمال وفقا لما صرح به قادة عسكريون اميركيون وتبعا لإعلان صريح من السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي.
رغم ما تقدم تغمر اجواء الفرح والبهجة يوميات السوريين ومتابعاتهم للأخبار الواردة من ميادين القتال وبعد نجاح الإعلام الوطني خلال معارك دير الزور بتكريس مكانته كمصدر اول للمعلومات بكل جدارة مهنية بينما يظهر الجيش العربي السوري بسالة وقوة في قهر عصابات الإرهاب من فصائل القاعدة وداعش على امتداد الجغرافية السورية وقد تهاوت خرافات حلف العدوان تباعا بفضل صمود الدولة والجيش وأصلا وأساسا كما يشدد أي مسؤول او مواطن في دمشق ” سر صمودنا الفعلي كان مستمدا من شجاعة الرئيس بشار الأسد الذي ظل ثابتا وصلبا ومقداما في الدفاع عن استقلال سورية.”
ثانيا ادرك القائد الأسد حقيقة ما يستهدف بلاده والمنطقة منذ اللحظة الاولى للعدوان الذي اجتازت فيه سورية الكثير من اللحظات الحرجة حيث كان فيها موقف الرئيس ورباطة جأشه محفزين للصمود والمقاومة في مسيرة وطنية توشك اليوم ان تبلور انتصارا تاريخيا حاسما على العدوان الكوني .
تعيش دمشق منذ أسابيع حالة احتفال تجلت في معرض الكتاب ثم في معرض دمشق الدولي حيث تتوالى احتفالات الفرح خصوصا مع تطورات الميدان المتلاحقة مؤخرا ولا سيما في دير الزور ويطغى على جميع التفاصيل في سورية ابتهاج السوريين واعتزازهم برئيسهم وجيشهم رغم المصاعب التي يواجهونها نتيجة الحرب وخسائرها الجسيمة وفي حصيلة سنوات من اختلال الدورة الاقتصادية الذي لم يحل دون مواصلة الدولة لتقديماتها والتزاماتها الخدمية والاجتماعية الآخذة في التحسن مؤخرا بل إن سورية المثخنة بالجراح تخطو إلى الأمام فهي مثلا باشرت بتنفيذ خطة الانتقال إلى البث التلفزيوني الرقمي وتتحضر لتحديث العديد من مرافقها الخاصة بالاتصالات والخدمات والطاقة بالتعاون مع حلفائها.
ثالثا بالمقابل تنهال البيانات الصادرة عن واجهات المعارضة مشحونة بكميات من النواح والندب بعد فترة طويلة من التنمر والادعاء وهذه اللهجة لا يشبهها سوى ما يكتبه كبار محللي ومعلقي الصحف الصهيونية الذين أقروا بانتصار الرئيس الأسد ومحور المقاومة في سورية وبلغ الأمر بخبراء معروفين في الشؤون السياسية والعسكرية من امثال ناحوم برنياع وأليكس فيشمان ان اعلنوا صراحة الفشل المدوي لرهان الكيان الصهيوني على النيل من الرئيس بشار الأسد وعلى تدمير القدرة العسكرية السورية أو على التخلص من قوة حزب الله فما يجري هو العكس تماما والبشائر الساطعة لا يمكن ان يكذبها ادعاء.
الحقيقة التي يعترف بها خصوم سورية وأعداؤها أن المنطقة تتغير والعالم يتغير بالتأكيد انطلاقا من ملحمة صمود سورية وشركائها في محور المقاومة وروسيا والصين لكن الوقائع ترد بمرارة قاسية في نصوص صهيونية متزايدة مؤخرا وهي تنذر مجددا بدقة التوصيف الذي نقل عن قائد المقاومة السيد حسن نصرالله عندما شدد على ان المواجهة الدائرة في سورية تغير وجه المنطقة وبيئتها الاستراتيجية .
رابعا يدرك المخططون الصهاينة معنى تواجد قوات روسية وإيرانية في سورية مكرسة باتفاقيات ومعنى تعاظم قوة الجيش العربي السوري وخبراته ومعنى تواجد حزب الله بقدراته النوعية وخبراته القتالية المتقدمة وكلها عوامل تشتد خطورة بتلازمها مع تحول موجع للكيان الصهيوني هو التواصل السوري العراقي الممنوع منذ عهد الانتداب والذي كان مشمولا بخط احمر اميركي أسقطه الأسد عندما أصدر الأوامر إلى قوات الجيش والوحدات الرديفة بشق الطريق إلى الحدود تحت وابل الغارات الأميركية ومهما كان الثمن.
للمرة الأولى ستضطر تل أبيب لإجراء حسابات جديدة عليها وسعت جاهدة بمعونة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا منذ اغتصاب فلسطين لتحاشيها فقد بات مسلما به انه في أي حرب مقبلة ستكون المقاومة اللبنانية والجيش العربي السوري معا على امتداد الجبهة اللبنانية السورية ولا شيء يمنع بعد ما جرى تصور عبور قوات ضخمة من الحشد الشعبي العراقي للقتال على خطوط النار ولا شيء يمنع بالقياس ذاته ترجمة إنذار السيد نصرالله بقدوم عشرات آلاف المقاتلين من اليمن وبلدان عربية اخرى غير العراق وهذا التغيير ليس عاديا ولا يمكن لأي قوة بعد الآن عكس الاتجاه وفي أعقاب أحداث الأعوام السبع عشرة الماضية منذ طرد الاحتلال الصهيوني من أرض الجنوب اللبناني حيث كانت الثمرة الاستراتيجية الأولى لشراكة سورية وإيران في دعم المقاومة اللبنانية.