المناورة لا تعني الحرب: اليكس فيشمان
عندما ينفخ الجيش الإسرائيلي العضلات على الحدود الشمالية ويتحدث عن هزيمة حزب الله في حملة عسكرية، نوصي بالعودة إلى عام 2006 كي نحصل على بعض التوازن بالنسبة للفجوة التي بين الخطاب وقدرة التنفيذ .
ومع أنه من المهم جدا أن تبدي إسرائيل شدة في مواجهة الحكم اللبناني وحزب الله، وتؤكد الرسائل والنوايا، ولكن محظور أن نسير أسرى خلف المناورة النقية التي حملت اسم مئير دغان الراحل، التي ينفذها الجيش هذه الأيام، ومن شأنها أن تدخل الجمهور في حالة لامبالاة ورضا عن النفس.
أحد الأحداث التي أكدت حقيقة الأداء الفاشل للجيش في 2006 وقع بالذات في مؤتمر عقده الجيش قبل نحو سنة لإحياء ذكرى 10 سنوات على حرب لبنان الثانية. الجمهور، بالطبع، لم يشارك في الدروس التي استخلصت في ذلك المؤتمر. في إحدى الندوات جلس قادة الفرق في تلك الحرب، وعرضوا على مسامع جمهور الضباط دروسهم الشخصية. وأمامهم جلس اثنان اتهموهم بعدم تنفيذ الأوامر.
لم يكن المتهمان نائبين متحمسين أو صحافيين ساعيين إلى ترك الأثر بل رئيس أركان تلك الحرب دان حلوتس ورئيس الأركان الحالي جادي آيزنكوت، الذي في 2006 عمل رئيس شعبة العمليات وكان عمليا مَنْ أصدر تلك الأوامر التي لم تنفذ لقيادة المنطقة الشمالية. فقد ادّعى حلوتس وآيزنكوت بأن قادة الفرق الذين يجلسون معهم على المنصة تلقوا أمرا بتنفيذ هجوم تشارك فيه فرقتان، ولأسباب محفوظة لديهم لم يفعلوا ذلك، ومع أن الهجوم بالفرقتين على سلسلة جبال خماميس بدأ ظاهرا، ولكن سرعان ما توقف ـ بعد أن قرر أحد قادة الفرق بأن الظروف لا تسمح له بتنفيذ المهمة، وطلب من قائد المنطقة الشمالية التوقف. الهجوم توقف ـ ولم يستأنف.
لا شك أنه في أثناء المناورات التي سبقت تلك الحرب نفذ قائد الفرقة إياها المهام بشكل استثنائي، في كل حالة طقس وفي كل الظروف، ودمر العدو ـ وهنا بالضبط تكمن الفجوة بين خطاب رجال الجيش وكفاءة تنفيذه. هذه فقط حالة واحدة من عدم تنفيذ أوامر هيئة الأركان، نصا وروحا، في الحرب إياها ـ ولا يزال، اثنان من قادة الفرق الذين جلسوا في تلك الندوة يحملان على أكتافهما رتبة لواء. بتعبير آخر: برغم أن رئيس الأركان توصل إلى الاستنتاج بأن ضباطه لم ينفذوا أوامره، إلا أنهم رُفعوا إلى رأس الهرم. لقد بات هذا جزءًا من مشكلة كبرى أخرى للتنظيم العسكري التي هي استخلاص الدروس، بما فيها الدروس الشخصية. في المناورات لا توجد مشاكل كهذه. الاختبار الحقيقي لرجل الجيش الذي يستعد له كل حياته المهنية وفيه يتلقى علامته الحقيقية هو الحرب. لا المناورة ولا التدريب. ومن يفشل في الاختبار الحقيقي ـ فليتفضل ويعتزل مدرستنا. غير أن هذا لم يحصل، وعلى ما يبدو، لن يحصل.
رئيس الأركان آيزنكوت ادّعى ويدّعي بأن حرب لبنان الثانية كانت انتصارا استراتيجيا، والدليل: الهدوء على الحدود الشمالية. ربما كان محقا، ولكن الإنجاز الاستراتيجي تحقق برغم الأداء الإشكالي بقيادة الجيش. الفشل العسكري كان للقيادة المدنية العليا، وطالما لا يعترف الجيش بذلك، فإنه لن يتعلم أي شيء، ولا في المناورة الحالية أيضا.
المناورة الشاملة في قيادة المنطقة الشمالية التي تجري هذه الأيام تحل في واقع الأمر محل المناورة الأركانية التي يجريها الجيش الإسرائيلي كل سنة. أما هذه السنة فتقرر لأسباب مالية أو تنظيمية على ما يبدو، تنفيذ مناورة شاملة ـ وإن كانت بحجم أوسع من المعتاد، إلا أنها لا تزال في مستويين تحت الرؤية الأركانية. فالمناورة الحالية لا ترى سوى ساحة قتالية واحدة. صحيح أن هذه ساحة مركزية، ولكن حتى في تقديرات الوضع المتفائلة فإن القتال ـ حين سينشب ـ سيضم ساحتين على الأقل: الفلسطينية واللبنانية. وذلك في الوقت الذي ما يعتبر اليوم الساحة السورية ـ التي هي ثانوية للقتال ـ من شأنه أن يصبح الساحة الأساسية في مواجهة قوات إرسال مؤيدة للإيرانيين. إضافة لذلك من شأن المناورة أن تجيب عن السؤال هل خطة التسليح «جدعون» التي بناها رئيس الأركان صممت بالفعل جيشا قادرا على إعطاء جواب في ثلاث ساحات بالتوازي.
المناورات مهمة، الإعلام مهم، الردع مهم والدعاية لهذا الغرض محتمة ـ على ألا نشوش فقط العقول لأنفسنا.
يديعوت