مقالات مختارة

الحريري تواصل مع الجبير والسبهان وموسكو وطهران لن «تبيعا» حزب الله: ابراهيم ناصرالدين

 

لماذا لم تجد الصيغة الانشائية الخارجة عن حدود اللياقة والتهذيب «لتغريدة» وزير شؤون الخليج تامر السبهان صداها لدى قيادة حزب الله؟ وكيف سيتعامل الحزب مع هذا التصعيد السعودي الذي جاء في توقيت «ملتبس» حول حقيقة الرغبة السعودية في التقارب مع ايران؟ وهل تتعامل المقاومة «بتوجس» مع هذه التصريحات التي تلت جولة المسؤول السعودي على بعض القيادات اللبنانية؟

هذا جزء من اسئلة طرحت في التداول خلال الساعات القليلة الماضية، وقد اجرت بعض المراجع السياسية اتصالات مباشرة مع مسؤولين في الحزب لمحاولة رصد موقفه من خلفيات توقيت هذا التغريدة وتداعياتها المحتملة على الاستقرار الداخلي، لكن المفاجأة كانت بحسب اوساط وزارية مطلعة، ان الحزب يتعامل مع المسألة وكانها لم تكن، فلا القائل من الشخصيات الدبلوماسية الرصينة التي يمكن ان يتفاجأ المرء بخروجها عن الوقار السياسي، ولا المفردات التي استخدمها غريبة عن شخصية سعودية تقرأ في كتاب واحد مع المجموعات التكفيرية التي تستخدم المصطلحات نفسها.

وفي المقابل، لم تكن هناك اي مؤشرات سعودية جدية على حصول اي تبدل في الموقف تجاه الحزب، ولم تأت تغريدة السبهان خارج اطار الاستراتيجية السعودية المعادية للمقاومة والتي ما تزال تترجم على ارض الواقع بدعم كل التنظيمات الارهابية التي تعيث فسادا في المنطقة…اما تخييره اللبنانيين بين الوقوف مع حزب الله او ضده، فدعوة لا تزال دون عنوان، فجزء كبير من اللبنانيين حسموا خياراتهم في هذا السياق، ولا ينتظرون «الاوامر» الملكية السعودية لتحديد موقفهم، وتبقى مجموعة سياسية معروفة تسير وراء الخيارات السعودية وعادة لا تناقش عندما تتلقى التعليمات من الرياض، وهذه القوى قامت بما هو مطلوب منها من خلال الحملة المبرمجة «للتشويش» على الانتصار في الجرود، واذا كان ثمة ما هو مطلوب اكثر من مجرد «الثرثرة»، «فالكرة» الان في «ملعبهم» وحزب الله ينتظر لـ«يبني على الشيء مقتضاه»…

وفي هذا السياق يأتي كلام مصادر نيابية في حزب الله ازاء اعتبار كلام السبهان موجه للرئيس سعد الحريري الذي عليه اتخاذ قرار بكيفية التعامل معه، فهذا الموقف برأي الاوساط الوزارية، يضع رئيس الحكومة امام مسؤولياته، بالنسبة الى الحزب الكلام السعودي لا يقدم ولا يؤخر، ويبقى على رئيس تيار المستقبل ان يحسم امره، فاما يتماثل مع موقف الحزب باعتبار «التغريدة» مجرد تعبير عن «غضب» سعودي ازاء التطورات المتلاحقة على الساحة اللبنانية والسورية وفيها الكثير من المغالاة وغير الواقعية، واما يتخذ القرار الذي يناسبه في هذا الشأن، وهو يتحمل مسؤولية خياراته السياسية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، علما ان حزب الله لم يخلف بوعوده ازاء معادلة «ربط النزاع» التي «ابتكرها» الحريري لضمان عودته الى رئاسة الحكومة، وهو اذا اراد الخروج عن هذه المعادلة، فهذا شأنه، لكنه يدرك ان لكل «معادلة» مفاعيل سياسية قد لا يكون قادرا على تحمل نتائجها في هذا التوقيت..

لكن هل يمكن للحريري ان يقف مع حزب الله ضد السعودية؟ الاجابة لا تحتاج الى الكثير من عناء التفكير، الجواب هو النفي بالطبع، لكن رئيس الحكومة سيقف مع نفسه اولا، ومع مصلحة تياره السياسي ثانيا، وهو امر لا يتعارض مع ما تريده السعودية في الوقت الراهن، وبحسب اوساط مقربة من «المستقبل» فان ثمة مبالغة كبيرة في تأويل «تغريدة» السبهان التي تحمل في طياتها موقفا سياسيا معروفا من قبل الرياض تجاه حزب الله، وليست ابدا امر عمليات لحلفائها بالدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله وسياسته على الساحة اللبنانية وفي المنطقة..

ووفقا لمعلومات تلك الاوساط، فان رئيس الحكومة لم يسمع من السبهان عندما التقاه في بيروت ما يشير الى حصول تغيير جوهري في استراتيجية السعودية حيال الساحة اللبنانية، المملكة تتعامل بواقعية متناهية مع الملف اللبناني، هي تدرك الحرج الكبير الذي يمر به حلفاؤها من خلال القبول بالجلوس على «طاولة» واحدة مع حزب الله في الحكومة، بينما يتصرف هو على الارض كيفما يشاء، لكن الظروف المحلية والاقليمية والدولية التي فرضت هذه المعادلة لم تتغير، وبالتالي لم يحمل المبعوث السعودي اي «خارطة طريق» جديدة تدل على ان المملكة في طور تصعيد عملي ينهي «الحرب البادرة» القائمة حاليا بينها وبين طهران في لبنان.. واذا كان السبهان لم يبلغ الحريري شخصيا بعكس ذلك، فانه بالطبع لن يطلب منه هذا الامر على «تويتر»…لكن هذا الامر لم يمنع رئيس الحكومة من اجراء مروحة اتصالات شملت وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وكذلك اجرى اتصالا هاتفيا بالسبهان، وكانت الاجوبة التي تلقاها منسقة مع قناعته المسبقة بان شيئا لم يتغير…وهذا يعني ان «المساكنة» في الحكومة مستمرة من جهته، طالما ان حزب الله ملتزم «بزواج المتعة»…

في هذا الوقت ثمة «افكار» اميركية تحاول الولايات المتحدة انضاجها في «الكواليس» الديبلوماسية بشأن مرحلة ما بعد القضاء على «داعش» في لبنان وسوريا والعراق، وهذه الاستراتيجية تعيد الى الذاكرة ما قامت به واشنطن من ضغوط بعد التحرير في العام 2000، حين وضعت على «الطاولة» مسألة سلاح حزب الله وجدواه بعد خروج اسرائيل، والان تسعى واشنطن مدفوعة بضغط اسرائيلي- خليجي، لمحاولة فرض هذه المسألة كجزء من التفاهمات السياسية المنتظر ان تتبلور مع موسكو بعد الانتهاء من ملف التنظيمات التكفيرية في سوريا… وتريد الادارة الاميركية في هذا السياق ان تكون مسألة حل الجهازين الامني والعسكري التابعين للحزب ضمن التسوية الشاملة في المنطقة، وهي بدأت تحضير الارضية الصالحة لتمرير هذا الملف من خلال وضع حزب الله «تحت المجهر»، اكان عبر تشديد العقوبات المالية، لوضع لبنان «تحت الضغط»، وتفعيل الحملات الاعلامية ضده، من العراق وصولا الى بيروت، بعد انتصار الجرود، فضلا عن محاولاتها الدؤوبة لاجهاض «التسوية» مع «داعش» بعد وصولهم الى البادية السورية، وكذلك المحاولة الخطيرة لتعديل مهمة قوات «اليونيفل» في جنوب لبنان..

كل هذه المؤشرات تدل على ان ثمة من في واشنطن لديه قناعة تامة بان هناك فرصة سانحة في المستقبل القريب لوضع حزب الله في «سلة» واحدة مع «النصرة» وداعش»، «وخصوم» الحزب في الداخل يسلمون بان التخلص منه لا يمكن ان يتم دون قرار دولي واقليمي، لكن وبحسب اوساط دبلوماسية، فان الاميركيين سمعوا مؤخرا «نصائح» اوروبية بضرورة عدم المغالاة في التفاؤل، لان الشراكة الايرانية – الروسية في سوريا تتجاوز المصالح الانية، كما ان العلاقة المتقدمة بين الحزب والروس في الميدان السوري، لا تشجع الى الاعتقاد ان حزب الله «معروض للبيع» في سوق التسويات، فهو من جهة ثبت نفسه في المعادلة الاقليمية، ومن جهة اخرى لا جدوى من الرهان على احتمال تخلي طهران عن دعمه..

وازاء ما تقدم، لا تبدو الساحة اللبنانية مقبلة على تطورات دراماتيكية، حلفاء السعودية والولايات المتحدة غير قادرين على قيادة «انقلاب» في الداخل، التطورات المتلاحقة في المنطقة ستفرض عليها ربما تنازلات جديدة، ليس اقلها فتح قنوات اتصال رسمية مع النظام السوري، اما البحث عن «مصير» حزب الله، فيبدو انه سيبقى مجرد افكار ساذجة، وسينتظر اعداءه كثيرا على «ضفة» النهر قبل ان تمر «جثته»…والامر الاكثر ترجيحا انها لن تمر ابدا…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى