مقالات مختارة

ما العمل مع كوريا الشمالية؟: سيفر بلوتسكر

 

في تموز 1950 اجتاز جيش كوريا الشمالية الثوري خط العرض 38 الذي فصل بين منطقة السيطرة الأمريكية ومنطقة السيطرة السوفييتية في شبه الجزيرة الكورية التي حررت في 1945 من احتلال اليابان. وأطلق الغزو الحرب الكورية، التي اصطدمت فيها جيوش الغرب وجيوش الكتلة الشيوعية، بما في ذلك قرابة مليون مقاتل مساعد من الصين الشعبية، بعضهم فقط جنود حقيقيون. ولكن حتى هذه الكتلة الإنسانية لم ترجح الكفة. في 1953 وقع اتفاق وقف النار، الذي أبقى على حاله تقسيم شبه الجزيرة. وعبر الاتفاق عن تفوق الكتلة الغربية والهزيمة في ميادين المعارك والسياسة للكتلة الشرقية .

«الحرب الأهلية»، كما تسمى حتى اليوم في كوريا الجنوبية، كلّفت حياة مئات الآلاف. الشمال، الذي اعتبر عشية الحرب صناعيا ومتطورا أكثر، غرق في تخلف عميق في ظل نظام الطغيان الذي دمج أساسات من الشيوعية منفلتة العقال، عبادة شخصية مجنونة، قومية متطرفة وصوفية. وانطوت كوريا الشمالية على نفسها وأغلقت عليها الأبواب عن العالم مِن خلف ستار حديدي سميك على نحو خاص. أقام حكامها فيها نظاما على النمط الستاليني وخاضوا حملات تطهير ومنعوا تماما حق الملكية الخاصة ودهوروا الاقتصاد إلى فقر مدقع.

حين سقطت الشيوعية في أواخر العقد الثامن من القرن العشرين، استخلص حكام كوريا الشمالية درسا خاصا بهم: وحده السلاح النووي يمكنه أن يحمي سيطرتهم. ووجدوا سبيلا لأن يطوروا في الخفاء قدرات ذرية لا بأس بها. استغرقت العملية عشرات السنين في ظل استخدام الألاعيب، أموال الدم وخرق الاتفاقات الدولية. ولكوريا الشمالية توجد الآن قدرات عسكرية نووية مثبتة، وإن كانت محدودة جدا ولا تسمح لها بأي حال «بضربة ثانية». ولكنها تسمح لها بتدمير اجزاء من كوريا الجنوبية المزدهرة والنامية وفقا لأفضل النماذج الغربية.

هل هي معنية بذلك؟ لا. صحيح أن النظام الحالي تشي بيونغ يانغ يقوده طاغية شاب، وحشي يعيش في الهذيان، لكنه لا يتطلع إلى إبادة «شقيقته» الجنوبية. ليس في الديماغوجيا المزبدة للشمال تهديدات على الجنوب.

هدفها مختلف: التطور /ن دون التنازل عن طريقة الحكم وعن الحاكم. من هنا فإن الخيار السليم للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص هو عدم التأثر من أية تجربة نووية كورية شمالية. عدم الرد، عدم التهديد، الجلوس في صمت، السكوت. فهدف التجارب الاستعراضية، فضلا عن الاحتياجات الفنية، هو دفع الولايات المتحدة إلى الرد (لفظيا) بالغضب والتهديد، وهكذا تتمكن دعاية الشمال من أن تشرح لمواطني الدولة لِمَ يتعين عليهم أن يشدوا الأحزمة المشدودة على أية حال ـ لأن العدو الأمريكي يريد إبادتنا ويريد أن ينهي ما لم ينجح في تحقيقه في حرب 1950 ـ 1953. وهو لن يتجرأ على تحقيق مبتغاه فقط لأن لدينا قنبلة ذرية وصواريخ بعيدة المدى تهدده وتهدد اليابان الكريهة.

استراتيجية إدارة ترامب، وليس هي فقط، تجاه كوريا الشمالية مغلوطة بالتالي من أساسها. من الأفضل لأمريكا وللغرب أن يتحلوا بالصمت. أن تمتنع عن رد هستيري على تجربة أخرى، إطلاق آخر، ابتزاز آخر. صمت الولايات المتحدة، عدم الاكتراث الظاهر لمواجهة جنون بيونغ يانغ، يبدو الآن هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير في كوريا الشمالية، تغيير يأتي من الداخل؛ فكي يكون ناجعا ودائما ينبغي دوما أن يأتي من الداخل.

قد يفاجئ هذا الكثيرين، لكن بالذات في العامين الأخيرين تبدي كوريا الشمالية مؤشرات واضحة على الحراك غربا. فالنظام يشجع إقامة أسواق شبه رأسمالية، يسمح المزيد فالمزيد من الاحتفاظ بالملكية الخاصة، يتجاهل العلاقات مع الأقرباء من الجنود، بل يبدأ بتحفيز التنمية التكنولوجية. من النموذج السوفييتي المتطرف انتقلت كوريا الشمالية إلى النموذج الصيني: انفتاح اقتصادي كبير، انفتاح ثقافي صغير، صفر انفتاح ايديولوجي وسلاح نووي يوجد لها.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى