الولايات المتحدة وروسيا… أزمة نفوذ: ابراهام بن تسفي
في أعقاب الغزو السوفييتي لأفغانستان الذي بدأ في كانون الأول/ديسمبر 1979 عادت المواجهة بين الدولتين العظميين إلى سابق عهدها في الساحة. بعد أن أعلن الرئيس جيمي كارتر بصورة احتفالية لدى دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 1977 عن انتهاء الحرب الباردة. هكذا عاد الرئيس إلى واقع المواجهة ثنائية القطب، التي أجبرت الدولة العظمى الأمريكية في السنة الأخيرة من ولايته على استلال روافعها التقليدية من مخزون أدواتها، المتمثلة في استراتيجية الصد. من ضمن أمور أخرى أنشئت قوة أمريكية للانتشار السريع والتدخل في بؤر التوتر والأزمات، تم تطوير التعاون الاستراتيجي مع الصين، وتم إغلاق قنصليات الاتحاد السوفييتي في أرجاء الولايات المتحدة .
اليوم، بعد مرور 28 سنة على دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان، تعود أصداء المواجهة التاريخية بين الشرق والغرب لتهدد الاستقرار العالمي. برغم أن الامبراطورية السوفييتية تلاشت منذ فترة، وبرغم أن بداية عهد الرئيس ترامب امتاز ببذل الجهود لتحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو، وبرغم أن التطلعات المعلن عنها للإدارة الأمريكية لفصل نفسها عن ميراث الحرب الباردة، إلا أننا نشهد في هذه الأيام تدهورا سريعا في العلاقات بين البيت الأبيض والكرملين.
في عام 1979 كانت جذور الانحدار الكبير في العلاقات بين الشرق والغرب مرتبطة بغزو السوفييت أفغانستان. وفي هذه المرة كان التدخل الروسي في الحملة الانتخابية للرئاسة في الولايات المتحدة هي التي ساهمت بشكل كبير في الأزمة. تعبيرا مسبقا لهذا الاحتكاك تم اعطاؤه عشية مغادرة أوباما البيت الأبيض، وذلك عندما أعلنت إدارته ـ كرد على المعلومات التي تم جمعها بشأن مسؤولية موسكو عن اختراق حواسيب الحزب الديمقراطي في واشنطن ـ عن سلسلة عقوبات ضد الكرملين، التي يقف في أساسها قرار طرد 35 دبلوماسيا روسيا من الولايات المتحدة.
في شهر تموز/يونيو الماضي، ولأسف ترامب، قرر الكونغرس بأغلبية كبيرة من الحزبين (الذي أحبط كل محاولة لفرض فيتو من الرئيس) اتخاذ خطوات عقابية اقتصادية أخرى ضد نظام بوتين (في الأساس في مجال المصارف ومجال الطاقة). رد بوتين على هذه المبادرة لم يتأخر، وتضمن تقليصا كبيرا للدبلوماسيين والتقنيين الأمريكيين في موسكو وفي عدد من القنصليات الأمريكية في أرجاء روسيا. وبهذا لم يكتمل المشهد. في يوم الخميس الماضي أعلنت إدارة ترامب خطوات انتقامية تتمثل بإغلاق القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو، وإغلاق مكاتب الملحقين التجاريين الروس في واشنطن ونيويورك.
يبدو أننا نشهد منحدرا منزلقا، حيث أن الدولتين العظميين تجدان صعوبة في وقف تدهورهما نحو الهاوية المليئة بالأخطار. مع ذلك، وخلافا لزمن الحرب الباردة، الآن لا يتعلق الأمر بعداء أيديولوجي قوي أو بخلافات استراتيجية عميقة، بل العكس، على الأقل بالنسبة للاعب الأمريكي، ليس هناك شك أن ترامب كان يفضل إنشاء تحالف مع بوتين في مجال واسع (بما في ذلك التهديد القادم من بيونغ يانغ) على اتخاذ خط هجومي، مثل الخط الذي تم جره إليه من قبل الكونغرس.
وبرغم حساسية رجال ترامب كلهم من الخطر الكامن في مواصلة خط التصعيد، وبرغم رغبتهم في فتح صفحة جديدة أكثر ودية في العلاقات بين الشرق والغرب، فإن «رزمة العقوبات» الأمريكية الأخيرة من شأنها بالتحديد أن تخدم الرئيس في ساحته الداخلية، حيث أنه في ذروة أيام التحقيق المتشعب في قضية «العلاقة مع روسيا»، ما من شأنه أن يشير إلى استعداد الإدارة للرد بصورة حاسمة وهجومية على كل عملية عقابية مقصودة من قبل موسكو، وذلك من دون علاقة مع الدور الذي قام به قراصنة بوتين في إفشال هيلاري كلينتون في سباقها نحو البيت الأبيض.
الظل الثقيل الذي يلف حاليا سماء العلاقة الأمريكية الروسية، لا يشكل حتى الآن شهادة بارزة على الصدع الذي لا يمكن رأبه، حيث أنه مع كل شدة، الخطوات والخطوات المضادة، كانت كلها خطوات محسوبة وتحت السيطرة، ولم تمنع حتى الآن رؤساء الهرم من مواصلة النقاشات في مواضيع كثيرة. الحرب الباردة لم ترجع بعد بكامل شدتها إلى قلب الساحة.
إسرائيل اليوم