الصاروخ الكوري : أحجمت واشنطن أم فشلت؟
كتب الخبير الاستراتيجي الدكتور منذر سليمان من واشنطن مقالا عرض فيه قراءة معلوماتية تقنية حول عدم اعتراض الولايات المتحدة للصاروخ الباليستي الذي اطلقته كوريا الشمالية عبر اجواء إحدى الجزر اليابانية متسائلا إن كان ذلك ناتجا عن عجز تقني او ان ما جرى بالفعل هو قرار البحرية الأميركية والبنتاغون بعدم إسقاط الصاروخ وعدم التسبب باندلاع نزاع كبير في بحر اليابان ولأن الخطوة الكورية كانت معدة بدقة ومحسوبة جيدا.
وقال سليمان في مقاله: “خرج أقطاب المؤسسة الحاكمة عن الصمت المعهود حيال اداء الترسانة الأميركية بطرح سؤال بديهي “لماذا لم تعترض وتسقط واشنطن صاروخ كوريا الشمالية” الاخير، بعد اختراقه الاجواء اليابانية في مرحلة تحليقه الثالثة والأخيرة؟”.
بعيداً عن مجرد رصد التساؤلات المتعددة الصادرة عن قادة سياسيين وعسكريين، ونخب فكرية وإعلامية متعددة، على أهمية ذلك، نرمي لتسليط الضوء على الجانب التقني ومدى “الجهوزية” العسكرية الأميركية، التي ما برح قادة البنتاغون وأركان الدولة الأخرى يتباهون بأهليتها وحداثتها لمواجهة “كافة التحديات والأخطار.”
تجدر الإشارة السريعة للتطمينات الصادرة عن دائرة الدفاع الصاروخي، التابعة للبنتاغون، حول جهوزية الأسلحة الإعتراضية في أحدث تصريح لرئيسها، الجنرال صموئيل غريفز، بتاريخ 10 آب الشهر الماضي “.. باستطاعة نظم الدفاع ضد الصواريخ الباليستية المنتشرة مواجهة التحديات الراهنة.” بيد أن الدائرة عينها كانت قد أبلغت الكونغرس، 22 حزيران/يونيو 2017 “.. لم نصل لمرحلة التيقن من القدرة على اعتراض الصواريخ” في مرحلة تحليقها.
وتابع: “بيانات البنتاغون تشير الى حجم الكلفة الباهظة لبرنامج الدفاع الصاروخي إذ بلغت تكلفته ما يربو عن 40 مليار دولار، دون نتائج مُرضية، وفق شبكة إن بي سي الاخبارية، 19 نيسان/ابريل 2017”.
“في الزاوية التقنية العسكرية البحتة، أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً باليستياً حلق فوق جزيرة “هوكايدو” في أقصى شمال اليابان، استغرق نحو 14 دقيقة “بزاوية ميلان بلغت 550 كيلومتراً وبلغ مداه 2700 كلم” عند نقطة ارتطامه بمياه المحيط الهاديء، على بعد 1180 كلم شرقي الجزيرة اليابانية”.
واضاف سليمان: “أولى التساؤلات تتعلق بتحديد “هوية” الصاروخ بعد تحديد مداه المفترض. تتضارب التقارير حول ما إذا كان صاروخاً باليستياً متوسط المدى أم من طراز آخر. في هذا الصدد، بادرت المؤسسة الاستخباراتية ستراتفور بالقول إنه بالاستناد الى البيانات الرقمية، أعلاه، نستطيع القول انه صاروخ “باليستي متوسط المدى،” مستطردة بجملة شرطية “لكن الإحتمال الأرجح ان كوريا الشمالية اجرت تجربة بصاروخ متوسط المدى بحمولة رأس حربي أكبر” مما هو معهود.
وأضافت، استناداً أيضا لتقارير الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، أن “البيانات تشير الى أن الصاروخ الباليستي انشطر الى ثلاثة أجزاء قبل هبوطه” وارتطامه بمياه المحيط”.
ما يحير المؤسسة وأجهزتها الاستخباراتية هو عدم تيقنها من تصنيف الصاروخ المذكور، إن كان متوسط المدى IRBM، أو بعيد المدى عابر للقارات ICBM.“
وتسائل الكاتب: “هل كان اعتراض الصاروخ في متناول اليد؟ الأطر القيادية العسكرية الأميركية تحاشت الإجابة المباشرة. إذ بعد توجيه نشرة ديفينس وان، 29 آب، المتخصصة بالشؤون العسكرية، استفساراً لقيادة القوات الأميركية في المحيط الهاديء، ومقرها في هونولولو بجزر هاوايي، لماذا لم “تحاول إسقاط الصاروخ،” لم تُجب قيادة القوات واكتفت باصدارها بياناً مقتضباً لا يفي بالغرض؛ جاء فيه “إن قيادة القوات الأميركية للدفاعات الجوية والفضائية قررت أن الصاروخ المنطلق من قاعدة في كوريا الشمالية لم يشكل تهديداً (لأراضي) أميركا الشمالية.”
وتابع قائلا: “خبراء الصواريخ كانوا أكثر وضوحاً بالقول إن “مدى ارتفاع وسرعة الصاروخ هواسونغ-12 أثناء طيرانه انطوى على صعوبة (تقنية) كبيرة لتدميره خلال مرحلة التحليق، بينما فشل المحاولة كان سيشكل إحراجاً لليابان ..”
بعض الإمكانيات التقنية والعسكرية المتطورة المتوفرة للقوات الأميركية تتمحور حول “.. أربعة أقمار اصطناعية تدور في المدار الخارجي للكرة الأرضية مسلحة بأجهزة إنذار تعمل بالأشعة تحت الحمراء ..” إضافة لنظام الإنذار الاميركي المبكر المتوفر لدى اليابان من طراز جي-أليرت” والذي أرسلت اليابان بواسطته تحذيرات متعددة لمواطنيها عبر أجهزة الهاتف الشخصي ومحطات الإذعة والتلفزة.
واوضح سليمان: “تستخدم الولايات المتحدة “ثلاث مدمرات من طراز إيجيس مسلحة بصواريخ اعتراض من الجيل الثالث” وهي تجوب عباب بحر اليابان بصورة دائمة؛ يليها نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت،” تتخذ احدى بطارياته مقراً لها في قاعدة “شيتوز” الجوية على أراضي جزيرة “هوكايد. إن باستطاعة “تقنية الاستشعار” المتوفرة في الترسانة الأميركية الكشف عن الصاروخ “خلال ثانيتين” بعد انطلاقه، وبعد انقضاء بضع ثواني معدودة تتمكن من تحديد الهدف المحتمل للصاروخ. وعليه، أيقنت المؤسسة العسكرية الأميركية مبكراً ان الصاروخ الكوري لا يستهدف أيا من الأهداف في الاراضي الأميركية؛ فضلاً عن الكلفة العالية لصواريخ الاعتراض إذ ينبغي الإقتصاد في تشغيلها وبعد تيقن تام”.
يبقى إحتمال الفشل الافتراضي لمحاولة الاعتراض، الذي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار لدى القادة العسكريين. كلفة الفشل باهظة سياسيا “وكارثية ديبلوماسيا” للولايات المتحدة، فضلاً عن الاحراج ومدعاة التندر. اما حلفاء الولايات المتحدة، في الإقليم وحول العالم، فسيزداد منسوب القلق لديهم، وما سيتركه الفشل من مناخ يشجع قادة كوريا الشمالية وآخرين على تحدي الولايات وكسر حاجز الردع
واوضح سليمان: “تستخدم الولايات المتحدة “ثلاث مدمرات من طراز إيجيس مسلحة بصواريخ اعتراض من الجيل الثالث” وهي تجوب عباب بحر اليابان بصورة دائمة؛ يليها نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت،” تتخذ احدى بطارياته مقراً لها في قاعدة “شيتوز” الجوية على أراضي جزيرة “هوكايد. إن باستطاعة “تقنية الاستشعار” المتوفرة في الترسانة الأميركية الكشف عن الصاروخ “خلال ثانيتين” بعد انطلاقه، وبعد انقضاء بضع ثواني معدودة تتمكن من تحديد الهدف المحتمل للصاروخ. وعليه، أيقنت المؤسسة العسكرية الأميركية مبكراً ان الصاروخ الكوري لا يستهدف أيا من الأهداف في الاراضي الأميركية؛ فضلاً عن الكلفة العالية لصواريخ الاعتراض إذ ينبغي الإقتصاد في تشغيلها وبعد تيقن تام”.
يبقى إحتمال الفشل الافتراضي لمحاولة الاعتراض، الذي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار لدى القادة العسكريين. كلفة الفشل باهظة سياسيا “وكارثية ديبلوماسيا” للولايات المتحدة، فضلاً عن الاحراج ومدعاة التندر. اما حلفاء الولايات المتحدة، في الإقليم وحول العالم، فسيزداد منسوب القلق لديهم، وما سيتركه الفشل من مناخ يشجع قادة كوريا الشمالية وآخرين على تحدي الولايات وكسر حاجز الردع.
مؤسسة ستراتفور الاستخباراتية، سالفة الذكر، “أنقذت” المؤسسة العسكرية من الاحراج بالقول إن مسار الصاروخ الكوري كان “الأقل استفزازاً” للسياسات الأميركية “إذ أن تحليقه فوق ذاك الشطر من اليابان جاء في منطقة غير مأهولة بالسكان .. وفي حال فشل الاعتراض فإن التداعيات على الاراضي اليابانية تنطوي على أقل الاضرار والضحايا” المحتملين.
واستطردت بالقول ان سياسة اليابان المعلنة يكتنفها الغموض فيما إذا كانت ستلجأ الى اعتراض وإسقاط صاروخ لكوريا الشمالية فوق أراضيها “.. لما ينطوي عليه الأمر من مغامرة كبيرة” أمام مواطنيها.
واضاف الكاتب: “تداعيات الأزمة الأميركية مع كوريا الشمالية كشفت عن مواطن ضعف في عقيدة سلاح البحرية ومهامه، على السواء. وتقلبات القرار السياسي بين الرئيس الاسبق جورج بوش الإبن وخلفه باراك أوباما أيضاً ساهمت في بلبلة المهام المنوطة به”.
نظم الدفاع الصاروخي وما يستتبعه من مهام وإمكانيات كانت في صلب المشروع الأميركي وتجاذباته بين الادارتين السابقتين. النظام “المفضل” لدى ادارة الرئيس بوش الإبن كان عبارة عن نسخ “جديدة” من نظام حرب النجوم: الاستثمار في تقنية صاروخية لإعتراض صواريخ بعيدة المدى لم تنضج بشكل يتيح لها إجراء تجارب حية. مصدر “التهديد” كانت إيران.
وقال: “مشروع الرئيس بوش استند على انشاء واشنطن “موقع رادار متطور في جمهورية التشيك يعززها 10 بطاريات صواريخ اعتراضية في بولندا ..”
“إدارة الرئيس أوباما حافظت على “مصدر التهديد” والتفتت الى اوروبا “كهدف محتمل لإيران” لتطوقها بنظم دفاع صاروخية “جديدة” استناداً لما صرح به الرئيس اوباما، أيلول / سبتمبر 2009، مؤكداً على قدرة إيران الصاروخية على ضرب اوروبا “بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى – شبكة سي أن أن للأنباء، 9 أيلول 2009، ولطمأنة دول اوروبا الشرقية بفعالية النظام الدفاعي “لردع روسيا.”
مشروع إدارة أوباما كان يتطلب توفير “بضع مئات من نظم الصواريخ المعترضة” لنشرها في اوروبا، تسندها “محطات رادار متحركة، بعضها في الفضاء الخارجي .. تضبط حركة ثلاثة أنواع من الصواريخ: الباتريوت؛ إس أم-3؛ ومنصات اعتراضية تساندها صواريخ منصوبة في ولايتي ألاسكا وكاليفورنيا.”
الكلفة المادية لاستراتيجية الرئيسين، بوش الابن واوباما، بلغت “56 مليار دولار منذ عام 2002 وتخصيص مبلغ قدره 50 مليار دولار إضافي لنهاية عام 2013” ومواطن الضعف البنيوي / الذاتي في سلاح البحرية، وهي متعددة تشمل نواحي مختلفة، تعود الى عصر نهاية الحرب الباردة، وفق دراسات البنتاغون المتخصصة.
وقد اوجز أبرز تلك الزوايا بالتالي: تقليص مدة التدريب للضباط، إذ كانت تصل من 6 إلى- 12 شهرا في أوج حرب فييتنام تم تخفيضها لثلاثة أشهر.
تغيير مناهج الدراسة العملياتية الى مواد تتعلق بالتحرشات الجنسية في صفوف القوات والوقاية من الانتحار.
ادامة الخدمة الفعلية في البحار لنحو 80 ساعة اسبوعيا؛ طيلة مدة الخدمة قبل التناوب وما تقتضيه من خسارة بعض البحارة المهرة خلال التناوب، مما أدى لزيادة اعتماد العنصر البشري على التقنية الحديثة عوضاً عن برامج التدريب الضرورية.
من خصائص الاسطول السابع تكليفه بمهام “خطرة” في مياه المحيط الهاديء وفي بحر الصين الجنوبي، في مواجهة الصين وكوريا الشمالية، مما يعرض عناصره للإجهاد والإرهاق، والمعدات والأجهزة أيضاَ. وفي هذا الصدد، يشير بعض العسكريين الى تراجع برامج الصيانة أيضاً على متن تلك السفن والمعدات مما يؤثر على سرعة استجابتها لتشغيل الرادارات الخاصة بتعقب الصواريخ.
وأوجز ضابط بحرية متقاعد المصاعب التي يعاني منها البحارة ومعداتهم في النشره الرسمية لمعهد سلاح البحرية الاميركي، بروسيدينغنز، قائلا “.. برامج التدريب للضباط والمجندين على السواء تم اختزالها؛ مسار الترقية المهنية للضباط تردى على حساب الجهوزية؛ نقص العنصر البشري اضحى ثابتاً ومن الصعب معالجته ..”
حادث الاصطدام بسفينة نقل تجارية كشف عن أوجه قصور متعددة، لا سيما وان سرعة الاسطول التجاري أبطء بعدة درجات من معدل سرعة السفن الحربية “المتطورة؛” وعند فشل الأخيرة في التعامل بمهنية وحرفية مع حادث “عادي” مما ضاعف التساؤلات لدى اوساط قيادية في البنتاغون حول صدقية المراهنة على قيام سلاحها البحري برصد وتعقب واسقاط جسم باليستي يسير بسرعة عالية جداً.