بري وأمانة المقاومة والعدالة
غالب قنديل
منذ انتخابه على رأس حركة امل يجعل الرئيس نبيه بري من يوم غياب الإمام موسى الصدر محطة حاسمة في تجديد حيوية فكر الإمام وتجذير خطابه ومبادئه وأفكاره التي ألهمت اجيالا منذ الستينات التفت حوله بحثا عن سبل التغيير والتقدم والتحرر الوطني والاجتماعي التي جسدها في مواقف سياسية جريئة ومبادرات نضالية تحدى بها التخلف والتبعية والعنصرية في النظام السياسي الطائفي اللبناني الذي ورثه اللبنانيون من حقب الوصاية الاستعمارية.
شكلت مكانة حركة امل في معادلات تكوين السلطة السياسية اللبنانية منذ مؤتمري جنيف ولوزان حتى اتفاق الطائف وما بعده تعبيرا عن دورها الوطني والشعبي القيادي وثمرة لما قامت به من نضالات في أصعب المراحل التي اعقبت الاجتياح الصهيوني واتفاق 17 أيار فهذه الحركة هي رافد رئيسي في المقاومة التي نهضت بعبء القتال ضد المحتل الصهيوني وهي التي خاضت انتفاضات شعبية مشهودة في الجنوب شكلت قوة استنهاض لعمليات المقاومة التي آلمت العدو واستنزفته وهذه الحركة هي القوة السياسية الرئيسية التي تصدت لمهمة إسقاط اتفاق السابع عشر من أيار ولمحاولات فرض الوصاية الأطلسية الصهيونية على لبنان وكانت الذروة في انتفاضة السادس من شباط 1984 التي قادها الرئيس نبيه بري مباشرة.
يتساءل كثيرون عن سر استمرار الحياة والقوة في بنية حركة امل كتيار شعبي ينادي بالعدالة الاجتماعية وبالإصلاح السياسي لبناء دولة مدنية وطنية مقاومة رغم حجم انخراط الحركة في بنية الدولة ومؤسساتها وما يفترض ان ينميه مثل ذلك التحول الذي مضت عليه اكثر من ثلاثين سنة من ميول نحو المهادنة والتأقلم مع البنى التقليدية كما حصل لتيارات سياسية عديدة.
بدون شك إن التكوين الشعبي لقاعدة امل المتحدرة من الطبقات الفقيرة له صلة حاسمة برسم هويتها وموقعها لكن عاملين آخرين حاسمين ما كان بدونهما ممكنا لهذه البنية ان تبقي لحركة امل وهجها الوطني ونبضها الشعبي وهما أفكار الإمام موسى الصدر وقيادة الرئيس نبيه بري.
فثقافة الإمام موسى الصدر ترسخت بعمل منهجي قام به الرئيس نبيه بري للتعبئة بمحتواها وقد تحولت هوية الحركة ومناضليها إلى تعبير مكثف عن الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية والعروبة والمقاومة وهي الشعارات التي دافع عنها الإمام الصدر وشرحها في خطبه وتحولت مع الرئيس نبيه بري إلى برامج وخطط عمل ومواقف ومبادرات عملية وهو ما جعلها حية ومستمرة بخطوات كبرى وجريئة في المراحل الحرجة وإضافة لما تقدم حرص بري على ديمومة الفرز الذي يسقط من البنية الحركية العناصر المهادنة او الساعية للاندماج بالبنى التقليدية الرجعية أو التي وقعت في غواية الحبائل الاميركية والرجعية المحلية او العربية والأمثلة كثيرة.
ما يزال مصير الإمام المغيب مجهولا ويتأكد اكثر فأكثر ان خطة استعمارية صهيونية رجعية قد استهدفت دوره ومكانته اللبنانية والعربية فهو حليف الزعيم العربي حافظ الأسد وشريك الرئيسين الراحلين سليمان فرنجية ورشيد كرامي وجامع نخب الفكر السياسي اللبنانية حول قضايا التقدم الاجتماعي والتغيير السياسي والعروبة الحية المناهضة للاستعمار والصهيونية.
لحق بشخصية الإمام الصدر ظلم كثير وتشويه كبير في حملات سياسية ومناكفات طائشة تورط فيها فريق من الأحزاب الوطنية اللبنانية ومنظمات المقاومة الفلسطينية عندما تصدى الإمام لمظالم سلطة الأمر الواقع الغاشمة والقهرية التي انشأوها على هوامش الحرب الأهلية فحرب الإمام وحركته ضد التجاوزات كانت حربا عادلة وتجاوزاتهم التي تمترسوا بها كانت سمة اختراق صهيونية صاحبت الاجتياح وفتحت له الطرق بينما نهض الإمام الصدر مقاوما بتلبية شباب حركة امل لنداء الرئيس نبيه بري إلى القتال والمقاومة في الجنوب والبقاع الغربي عندما وقع الاحتلال بينما آثر يومها معظم خصوم امل ان يهربوا من الميادين بألف ذريعة بينما كان أبطال كالشهيد محمد سعد ورفاقه يقودون معارك مجيدة ضد المحتل الغاصب.
امانة المقاومة والعدالة توهجت في يد الرئيس نبيه بري الذي أعلاها وأبقى الشعلة حية على امتداد العقود الماضية بحركة حية ومتجددة لا تساوم على نبضها الوطني والعربي وجوهرها الشعبي.