سياسة ترامب تجاه أفغانستان والخليج سايمون هندرسون
23 آب/أغسطس 2017
في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 آب/أغسطس حول السياسة العامة لم يرد أي ذكر للشرق الأوسط – ولا حتى ايران التي لها حدود مشتركة مع افغانستان. ويثير هذا الإغفال الفضول نظراً إلى أن صحيفة “نيويرك تايمز” قد أفادت في وقت سابق من هذا الشهر أن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني كان يتحالف مع مقاتلي “حركة طالبان”، وهو أمر مستغرب نظراً إلى الانقسام الشيعي-السنّي، لإبقاء الحكومة المركزية في كابول مزعزعة. وعوضاً عن ذلك، كان تركيز الإستراتيجية الجديدة، على النحو المبيّن في الخطاب ونقاط النقاش الرسمية، حول “جنوب آسيا”، حيث وُصفت باكستان بأنها “شريك مهم”، بعد تحذيرها لتغيير سلوكها، في حين تتميز الهند بكونها “شريك عظيم الفائدة”. وعلى الرغم من عدم تطرق الخطاب إلى بلدان الخليج كالسعودية والإمارات، كونها حلفاء باكستان منذ فترة طويلة، إلا أنه من المرجح أن تضطر إلى اتخاذ موقف واضح وصريح. ولا بدّ من إحباط ميل إيران إلى إلحاق الأذى.
التاريخ
على الرغم من أن الكثيرين يرجعون تاريخ انخراط الولايات المتحدة في أفغانستان إلى عام 2001، عندما تحركت “القوات الخاصة” ضد أسامة بن لادن بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر، إلّا أنّه خلال ثمانينيات القرن الماضي كانت واشنطن تقوم بتزويد الأسلحة لرجال العصابات الذين كانوا يقاتلون آنذاك نظام كابول المدعوم من قبل السوفييت. وفي عام 1989، خرجت القوات السوفيتية من أفغانستان وبعد ذلك انهارت حكومتها الصورية في عام 1992. وقد نجحت “حركة طالبان”، التي شكّلت عناصرها أساساً بعض الميليشيات المناهضة للسوفيت، في الاستيلاء على السلطة في عام 1996، وفرضت حكومة إسلامية متشددة حظرت على النساء العمل وأدخلت عقوبات مثل قطع اليدين والموت بالرجم. وكانت باكستان والسعودية والإمارات الدول الوحيدة التي اعترفت بحكومة “طالبان”، ولكن حتى هذه الدول قطعت العلاقات معها بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر. ومنذ ذلك الحين، موّلت الرياض عدة مشاريع ترتبط بإعادة الإعمار للحكومات المنتخبة المتعاقبة، في حين وفّرت دولة الإمارات مجموعة صغيرة من العسكريين، للعمل إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها. وتعترف باكستان نظرياً بالحكومة الحالية في كابول، لكنها تدعم أيضاً، على الرغم من إنكارها، مجموعات من المقاتلين المسؤولين عن الهجمات الإرهابية التي تلحق الضرر بهذه الحكومة. وحول هذه النقطة، قال الرئيس ترامب: “لم يعد بإمكاننا السكوت على الملاذات الباكستانية الآمنة للجماعات الإرهابية، وحركة طالبان وجماعات أخرى …”
ويُنظر إلى دوافع تدخّل باكستان في افغانستان باعتبارها خصومة اقليمية مع الهند المجاورة التى خاضت حربين معها (في عامي 1965 و 1971) منذ أن تأسست الدولتان وسط إراقة دماء فى عام 1947، فضلاً عن العديد من المناوشات الحدودية الخطيرة. وتتركز التوترات على مدى السنوات العديدة الماضية في منطقة كشمير، حيث تتهم إسلام أباد نيودلهي بقمع السكان المحليين ذات الأغلبية المسلمة، في حين يُلقى اللوم على باكستان بتدريب إرهابيين مناهضين للهند ومدّهم بالعتاد. ومن المؤكد أن الهند كانت ستنظر إلى تعليقات الرئيس ترامب التي شددت على تطوير الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند على أنها تأكيد على مكانتها باعتبارها الدولة المهيمنة طبيعياً في جنوب آسيا. وليس هناك شك في أن من دواعي سرور نيودلهي الاعتراف “بإسهاماتها الهامة في تحقيق الديمقراطية والاستقرار والازدهار والأمن في أفغانستان”. ومن وجهة نظر باكستان، لا يمكن أن تكون هذه العبارات أكثر من أقوال غير مرحب بها.
الرد الباكستاني المحتمل
بالنسبة لباكستان، ربما كانت الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب بمثابة التحذير الأخير، كون اللغة المستخدمة لا تحمل لبساً: “تغيير المقاربة”، “إلغاء الوضع القائم”، “على [باكستان] اتخاذ إجراءات حاسمة”، “لا يمكن لأي شراكة أن تستمر مع تساهل بلد ما مع المسلحين والإرهابيين”، “ستتطلب الاستراتيجية من باكستان أن تثبت استعدادها لمساعدة الولايات المتحدة … “. فالحاجة إلى الحد من الأخطار النووية تبدو أكثر توازناً- حيث أن كلاً من الهند وباكستان تمتلك أسلحة نووية، وإن كان من الواضح أن الإشارة إلى التهديد الخطير المتمثل بإمكانية حصول الإرهابيين على مثل هذه الأسلحة كانت موجهةً إلى باكستان، حيث لا تزال هناك شكوك حول قدرة الجيش على تأمين ترسانتها. وشكّل انتشار تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وتصاميم الأسلحة النووية إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية حتى عام 2003، والذي يتحمل مسؤوليته العالم الباكستاني المتقاعد عبد القادر خان، نقطة مرجعية ضمنية بل واضحة.
وبعيداً عن التصريحات الفورية احتجاجاً على عدم أحقية التعليقات، لا بدّ من ترقّب ردّ باكستان العملي على تحدي الرئيس ترامب. وقد برز مؤخراً فراغ سياسي في إسلام أباد، في أعقاب الاستقالة القسرية لرئيس الوزراء نواز شريف في تموز/يوليو بعد اتهامه بإخفاء حقائق عن أصوله. ويُعتبر خلفه شهيد حقان عباسي مجرد وكيل، حيث من المرجح أن يُستبدل بشقيق شريف، شهباز، الذي يتردد أنه يحاول الفوز بمقعد في “المجلس الوطني”، وهو أحد شروط استلام المنصب. وقد يكون دور الجيش الباكستاني، بقيادة الجنرال قمر جواد باجوا، مهماً أكثر من أي وقت مضى. فكراهيته التقليدية للهند تفوق حقد شريف على هذه الدولة – وشريف هو رجل أعمال في خلفيته وأراد توسيع روابطه التجارية. ولطالما اعتُبرت “خدمات الاستخبارات العسكرية الداخلية” التابعة للجيش اليد الخفية التي توفر الدعم للإرهابيين الناشطين في أفغانستان والمناهضين للهند. وبالفعل، خلال فترات التوتر السابقة بين واشنطن وإسلام أباد، فرضت باكستان قيوداً على حركة الشاحنات التي تحمل إمدادات إلى القوات الأمريكية في أفغانستان التي لا تملك منفذاً بحرياً. وعلى الرغم من العديد من مليارات الدولارات التي قُدمت كمساعدات عسكرية ومدنية أمريكية منذ عام 2001، إلّا أنّ الباكستانيين العاديين أصبحوا أكثر عداءً للولايات المتحدة، ومن المرجح أن يكونوا أكثر استياءً من الاستراتيجية الجديدة.
وجهات نظر دول الخليج
تقليدياً، حاولت دول الخليج تجنب الانحياز إلى أي من الهند أو باكستان. فالهند تمثّل شريكاً تجارياً بالغ الأهمية نظراً إلى رخائها المتزايد وعدد سكانها الأكبر بكثير (1.3 مليار نسمة مقابل ما يقرب من 200 مليون باكستاني). وبالنسبة إلى باكستان، توفر منطقة الخليج فرص عمل مع ما يترتب عنها من تدفق حوالات قيّمة إلى البلد الأم. بالإضافة إلى ذلك، تجنّد قوات الأمن الخليجية، وخاصة البحرينية منها، عناصر سابقة من الجيش الباكستاني. وفي حالة السعودية، يشمل التواصل العسكري تجنيد قائد سابق للجيش الباكستاني هو الجنرال (متعاقد) رحيل شريف (لا علاقة له بنواز شريف)، كقائد للتحالف الذي تقوده السعودية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الرغم من أن باكستان لا تساهم بأي قوات. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير المستمرة إلى اهتمام السعودية بالحصول على الأسلحة النووية الباكستانية. وقد قام ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، بزيارة باكستان مرتين في عام 2016، كما يتحدث البلدان عن علاقة استراتيجية غير محددة. وكان وزير الدفاع السعودي السابق الأمير سلطان قد زار المحطة الباكستانية لتخصيب اليورانيوم في عام 1999 وعُرض عليه نموذجاً اختبارياً للسلاح النووي للبلاد. وعندما تمت الإطاحة برئيس الوزراء شريف في انقلاب عسكري خلال فترة ولايته السابقة في عام 1999، ذهب إلى العيش في المنفى في السعودية حتى عام 2007.
أما الإمارات، فتجمعها علاقات وثيقة تاريخياً مع باكستان. وبعيداً عن الروابط التجارية، زار وزير خارجيتها الحالي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان محطة تخصيب [اليورانيوم] الباكستانية عندما كان وزيراً للإعلام بعد أسابيع قليلة من الزيارة التي قام بها الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز. ولأكثر من عشرين عاماً، وبعلم السلطات الإماراتية، كانت دبي نقطة عبور للتكنولوجيا والمواد النووية التي يتم شراؤها من أجل برنامج الأسلحة الباكستاني، فضلاً عن البرامج الوليدة في ليبيا وإيران. يُذكر أيضاً أن الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرّف، الذي أطاح بشريف عام 1999 حين كان قائداً للجيش، يعيش الآن في المنفى في هذه المدينة الخليجية. بالإضافة إلى ذلك سوف ترغب السعودية والإمارات تخفيف نفوذ إيران في أفغانستان، على الرغم من أن طهران عادة ما تركز بشكل رئيسي على وقف الفوضى التي تؤثر على منطقتها الحدودية.
وخلال الأسابيع المقبلة ستحاول الرياض وأبو ظبي وعواصم الخليج الأخرى تقييم مدى تصميم الرئيس ترامب في مهمته المتمثلة بالحرص على “عدم تمكّن الإرهابيين من استخدام أفغانستان من جديد كملاذ لمهاجمة الولايات المتحدة”. وكان الموضوع الأساسي للخطاب هو أن تنظر الولايات المتحدة إلى الهند باعتبارها المستقبل وإلى باكستان كونها أبعد من أن يمكن إنقاذها. وقد أُعطيَت باكستان الآن فرصة واحدة وأخيرة للإصلاح. وبالنسبة لبلدان مثل السعودية والإمارات، التي يَعتبر قادتها أنفسهم بمثابة مستقبل الخليج والشرق الأوسط الأوسع، لا بدّ من أن تكون هذه الرسالة قد أحدثت أثراً. فروابطها مع باكستان قد تجعل منها عاملاً مهماً لتحريك عجلة الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وهو دور يجب اختباره في أقرب وقت ممكن. إن الكيفية التي ترد بها هذه الدول على إنذار الرئيس ترامب ستكون مثيرة للاهتمام بقدر رد باكستان.
سايمون هندرسون هو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.