مقالات مختارة

بوتين اختار الشراكة الاستراتيجية مع الأسد وإيران بقلم: ناحوم برنياع

يكثر نتنياهو من استخدام مثال القط. فهو يقول ان رأس القط الفارسي يوجد في طهران، ولكن كفيه – حزب الله، حماس – يصلان حتى لبنان، سوريا وغزة. التشبيه لطيف، يأسر القلب، يهدد فقط من له حساسية للقطط؛ أما الواقع الآخذ بالتشكل في سوريا فأقل لطفا: القط أصبح فهدا.

لقد كانت نقطة الانعطافة التوقيع على الاتفاق الروسي – الامريكي، في الشهر الماضي.  فقد كانت هذه صفقة تهكمية بين قوتين عظميين. وتشبهه محافل الجيش في اسرائيل باتفاق رينتروف – مولوتوف، الذي وقع عشية الحرب العالمية الثانية، مع فارق واحد – في ذاك الاتفاق كان الروس هم الامعات؛ اما في هذا الاتفاق فالروس هم المنتصرون، طوال الطريق.

وزير الخارجية الامريكي ريكس تلرسون أعد صفقة بديلة: سوريا مقابل  العراق. الامريكيون يتركون الساحة السورية لمحور بوتين – خامينئي – الاسد، والروس وشركاؤهم يتركون الامريكيين يعملون في الساحة العراقية.

يعمل الاتفاق حاليا على نحو جميل. فقد افاد كاتب الرأي توماس فريدمان هذا الاسبوع عن جولة أجراها في قواعد امريكية في العراق، في افغانستان وفي قطر. يعمل الامريكيون اساسا في الجو – باعمال القصف وبتوجيه القوات البرية بالوسائل الالكترونية. وتحدث الجنرالات الذين التقاهم عن عراق آخر يختلف عن ذاك الذي عرفه في زيارات سابقة. فالوحدات القتالية للجيش العراقي تستقبل المستشارين الامريكيين بأذرع مفتوحة. والسكان هم ايضا غيروا ذوقهم: فهم يرون في الجنود الامريكيين شركاء حيويين في الحرب ضد داعش.

هذا هو الوضع في هذه اللحظة، يقولون في اسرائيل. اما عندنا سيتبدد تهديد داعش، فان الايرانيين سيعودون الى مقدمة المنصة في العراق ايضا. فالمحور الشيعي سيحقق تواصلا اقليميا، من ايران حتى البحر المتوسط.

لقد شخص نتنياهو هذا الميل في مرحلة مبكرة، ولكن مساعيه لصده ضاعت هباء. ففي بداية الشهر بعث بوفد الى واشنطن بمشاركة رئيس الموساد ورئيس أمان (شعبة الاستخبارات العسكرية). والتقى الوفد برئيس مجلس الامن القومي في البيت الابيض الجنرال هلبرت رايموند ماكماستر وعاد مع صورة جميلة للقاء، وهذا كل شيء. والتقى نتنياهو يوم الاربعاء مع بوتين في سوتشي، على شاطيء البحر الاسود. وهو الاخر  حصل على صورة وميكروفون ايضا، ليس أكثر. كرر الاقوال في اذني جارد كوشنير، صهر ترامب، الذي  وصل الى اسرائيل في إطار حملة في عواصم الشرق الاوسط. لكن أي خير لن يخرج من كل هذا.

هو ليس مذنبا في الفشل. فقد تعرفنا المرة تلو الاخرى، على مدى 69 من سنوات الدولة على أنه عندما تصر قوى عظمى على قرار تراه مصلحة صرفة لها، تضطر اسرائيل الى البلع والتسليم. ففي الصراع ضد الاتفاق النووي الايراني اثار نتنياهو الكونغرس  ضد الرئيس. في الصراع الحالي يتصرف بضبط للنفس. يحتمل أن يكون تعلم درسا من الخطأ السابق. يحتمل انه بعد كل  الثناء الذي اغدقه على ترامب، وجد صعوبة بالتوجه ضده. مهما يكن الامر، فان النتائج هي ذات النتائج.

لقد درج نتنياهو على وصف بوتين بانه صديقه الشخصي. هذا أيضا ما قاله عن بوتين شارون واولمرت. وبوتين قابل للوصول اليه اكثر من حكام سابقين في الكرملين. وعندما يرفعون الهاتف له، فانه يجيب؛  وعندما يطلبون لقاء، يكون حاضرا. وهو مستعد لان يتشارك مع الاسرائيليين  في الاسرار وينسق الخطوات، طالما كانت هذه الخطوات تخدمه. في هذا تنتهي الصداقة. اما اختيار بوتين لايران والاسد فاستراتيجي؛ لقاءاته مع رؤساء الحكومات الاسرائيلية هي  ملاحظات هامشية. مهمتها تعزيز الاحساس بانه رب البيت في  المنطقة، ووفقا لكلمته تحسم الامور.

تحديان

إن الثبات العسكري لايران في سوريا يشكل لاسرائيل سلسلة من المشاكل الامنية. نبدأ بالاتفاق الروسي – الامريكي، حيث ستنصب روسيا ابراج رقابة، حراسة، على الطرق المؤدية من سوريا الى حدود الجولان. ويفترض بهذه الاستحكامات ان تمنع حزب الله وقوات اخرى تحت قيادة ايران من الدخول الى قاطع يمتد الى 30 – 40 كيلو متر على طول هضبة الجولان. يعرف الاسرائيليون بان منظومة من هذا النوع لا تمنع حقا. من يرغب بالدخول، سيدخل؛ ومن يرغب بالقيام بعملية، يقوم بها.

المشكلة الثانية هي القوافل التي تنقل السلاح والذخيرة من سوريا الى لبنان. فالجيش الاسرائيلي يقصف هذه القوافل من الجو.  حتى اليوم فضل السوريون وحزب الله تلقي الضربات والتسليم. ونسق ضباط اسرائيليون وروس النشاط الجوي. اما الان، حين يعمل وقف النار، ويكون داعش والمعارضة السورية في أفول والنهاية تبدو في الافق، تخشى اسرائيل من ان تفقد حرية عملها في سماء سوريا.

اسرائيل يمكنها ان تواجه هذين التحديين. المشكلة الاخطر هي المدى البعيد. فسيطرة عسكرية ايرانية في سوريا وفي لبنان بشكل مباشر او من خلال وكلاء كالاسد ونصرالله، تضع الجيش الاسرائيلي امام جبهة مزدوجة. وايران لن تضطر الى قنبلة نووية كي  تشل اسرائيل. فاذا كانت تحتفظ في يدها بمفتاح لمخازن الصواريخ في سوريا وفي لبنان، فانها ستتمكن من الوصول الى كل مكان في اسرائيل، من دان وحتى ديمونا.

من شأن هذا ان يؤدي الى حرب، قال نتنياهو. اما بوتين فلم يتأثر. ففي عشية اللقاء أجرى زيارة مصورة في شبه جزيرة القرم التي احتلها وضمها في 2014، رغم صراخ العالم، رغم العقوبات. البوتينيون لا تخيفهم الحروب.

ولا الادارة في واشنطن. من تغريدة الى تغريدة، من خطاب الى خطاب، تضعف سيطرة دونالد ترامب على مقاليد الحكم. من يتخذ في هذه اللحظة القرارات في البيت الابيض هو ثلاثي من الجنرالات: رئيس الطاقم الجنرال كيلي، وزير الدفاع الجنرال ماتس ورئيس مجلس الامن القومي الجنرال ماكماستر.  يشاركهم وزير المالية منوتشن والمستشار الاقتصادي كوهن – وكلاهما خريجا بنك الاستثمارات غولدمان – زاكس. من كان يصدق ان الجنرالات والمصرفيين اصبحوا بشرى طيبة، لامريكا وللعالم؛ البشرى السيئة هي ان ترامب يمكنه، لا يزال يمكنه، اقالتهم في كل لحظة.

ترامب معجب بالجنرال جورج باتون من قادة الجيش البري الامريكي في الحرب العالمية الثانية. وكان باتون شجاعا حتى الجنون،  كفؤا، محبا للحروب، محبا للموت وفظ الروح. من يهتم بقصصه مدعو لان يقرأ كتاب انتوني باور “الدعابة الأخيرة لهتلر” الذي صدر مؤخرا بالعبرية.

كيلي، ماتس وماكماستر بعيدون عن باتون كمسافة جادي آيزنكوت عن شموليك غوروديش. فهم ضباط منضبطون، مرتبون، يسعون الى الحفاظ على النفوذ الأمريكي في العالم دون ان يورطوا بلادهم بالحروب. لديهم تقدير لإسرائيل ومعرفة إيجابية لبعض من الجنرالات الإسرائيليين؛ لا صلة لهم بالقاعدة السياسية لإسرائيل في أمريكا، اللوبي، المتبرعين، الافنجيليين، المنتخبين.

الفرضية الخفية في كل لقاء للجنرالات والزعماء المدنيين هي ان الجنرالات سيسعون الى الحرب والمدنيون الى المفاوضات. فمهمة الجنرال هي أن يكون، بكلمات موشيه دايان، الحصان الفارس الذي يندفع الى الامام؛ اما المسؤولون عنه فيسيرون خلفه او يكبحونه؛ حروب عصرنا تفرض تقسيم عمل مختلف. يمكن لترامب ان يهدد كوريا الشمالية بـ “النار والغضب”؛ اما الجنرال  ماتس فسيحاول ترجمة تهديداته الى خطوة دبلوماسية. نتنياهو يمكنه ان يهدد ايران؛ اما هيئة الأركان فستوضح له قيود القوة. نتنياهو، ليبرمان وبينيت يمكنهم ان يهددوا ايران، اما قادة اذرع الامن فسيوضحون لهم قيود القوة.

يديعوت  25/8/2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى