الخيبة الصهيونية في سورية
غالب قنديل
تتلاحق مفردات الخيبة وتعبيراتها في الصحافة ووسائل الإعلام الصهيونية وقد تصاعدت هذه الحالة بكثافة وبقوة في الأيام الماضية انطلاقا من المؤشرات الميدانية والسياسية التي تؤكد وقوع تحولات كبرى في التوازنات تجزم بانتصار الرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية التي يقودها وبمتانة التحالف الروسي الإيراني الذي انعقد على دعم تلك الدولة المحتضنة من غالبية شعبية تضاعفت وتوسعت في سياق الصراع وحيث يحضر دائما في الحسابات الصهيونية شريك موسكو وطهران ودمشق ومصدر القلق الخطير : حزب الله.
راهن الساسة الصهاينة منذ الإعلان عن اتفاقات التجميد في جنوب غربي سورية على انتزاع تعهد اميركي بفرض خطوط حمراء معلنة ضد أي تواجد عسكري لحزب الله او للخبراء الإيرانيين على جبهة الجولان وقد نقلوا الرهان إلى قنوات العلاقة مع روسيا وفي الحالين تستند آمالهم بتحقيق اختراق إلى اللوبيات الصهيونية الفاعلة في موسكو وواشنطن على السواء.
الجواب الأميركي على الطلب كان جازما بعدم القدرة على التلبية وبتأكيد رغبة الولايات المتحدة بالخروج لاحقا من الميدان السوري الذي بات فيه التسليم بالغلبة للدولة السورية ولحلفائها روسيا وإيران وحزب الله وهذا ما يثير اعتقادا صهيونيا بوقوع انقلاب استراتيجي في البيئة الإقليمية ينبغي التحسب لنتائجه وفقا لما كتبه غيورا إيلند رئيس مجلس الأمن القومي السابق في كيان العدو.
هذا الانقلاب ناتج عن حصيلة استراتيجية لحرب كبرى استهدفت القلعة السورية ومحور المقاومة بواسطة جماعات القاعدة وداعش وتنظيمات الأخوان المسلمين وبدعم مباشر وتدخلات عسكرية وامنية صهيونية اطلسية لم تنقطع يوما منذ ربيع العام 2011 بالشراكة مع حكومات السعودية وقطر وتركيا.
تصطدم المحاولات الصهيونية بكل وضوح بعقد موضوعية لا يمكن تفكيكها اولها عمق الشراكة الروسية الإيرانية التي تمثل ضلعا رئيسيا في مثلث الشرق الصاعد روسيا والصين وإيران والعقدة الثانية هي قوة العلاقات التحالفية بين الدولة السورية وكل من إيران وحزب الله ، التحالف الصامد والمتجذر منذ اكثر من ثلاثين عاما وهو تعمد بدماء وتضحيات غزيرة مؤخرا في الدفاع عن سورية،وبالمقابل يعترف كبار المحللين الصهاينة بالعجز عن تحريك واشنطن نحو مساومات محتملة مع موسكو تعطي الأولوية لشروط تل أبيب المتعلقة بسورية وهو ما يصطدم أصلا بمتانة المصالح الروسية المستجدة وآفاقها الرحبة في سورية والشرق العربي.
المعضلة الرئيسية التي تواجه الصهاينة انهم يتعاملون مع نتائج هزيمتهم وحلفهم الغربي الخليجي في سورية والمنطقة فالحرب التي راهنوا عليها لقلب الأوضاع في سورية ولجرهذه الدولة العربية العاصية إلى معسكر الرجعية العربية هي حرب خاسرة في جميع وجوهها نتيجة صمود سورية وشراكات الدولة السورية الواسعة والمهمة مع كل من حزب الله وروسيا وإيران والصين وما اعتبره الصهاينة فرصة لاستنزاف هؤلاء الخصوم بات تهديدا جديا بنهوض قوة ضخمة في المنطقة تعزز معادلات الردع التي نزعت الهيبة الصهيونية من قبل وهو ما يسمونه اليوم حزب الله -2 أي خطر امتداد جبهات القتال في أي حرب مقبلة من الحدود الأردنية إلى رأس الناقورة اما الخيبة اتجاه إيران فقد انطلقت مع مفاوضات النووي وبرسوخ المعادلة التي اوجبتها وكسرت نزعة التصعيد والتحريض التي لم يفلح اللوبي الصهيوني السعودي في استكمالها إلى حرب يعرف جنرالات البنتاغون ما سوف تسفر عنه من خسائر وتكاليف ولذلك كانت نصيحتهم التراجع عن غزو سورية عام 2013 والتخلي عن العنتريات ضد إيران مؤخرا.
الخيبة الصهيونية ذاهبة الى المزيد لأنها تصطدم باستعصاء التوازنات والتحولات القاهرة التي لامجال امامها سوى الرضوخ للوقائع الجديدة فزمام المبادرة بات في مكان آخر على مستوى العالم والمنطقة معا بعد كل ما جرى في سورية ومن حولها.