المعاني الاستراتيجية لخطاب الأسد
غالب قنديل
الكلمة التي ألقاها الرئيس بشار الأسد في مؤتمر الخارجية السورية ولدت أصداءا وتفاعلات إعلامية كثيرة وقد تركز الاهتمام بها خصوصا في الإعلام الصهيوني الذي كرس العديد من التحليلات والتعليقات التي تناولتها وأبرزت الاعتراف بحقيقة صمود سورية ورئيسها وثبات خيار سورية العروبي المقاوم وتنوعت التعبيرات التي توحي جميعها بانهيار العدوان على سورية وتجزم بسقوط الرهانات على إسقاط الرئيس الأسد التي تلاقى عليها سائر الشركاء في حلف العدوان ومن منغصات الخطاب البارزة إشارة الرئيس الأسد إلى الشركاء الكبار في ملحمة الصمود السوري فقد توقف المعلقون الصهاينة بطرق متعددة عد تنويه الأسد بمن أسموهم بالنجوم الثلاثة في الخطاب: بوتين والخامنئي ونصرالله.
أولا تميز خطاب الرئيس بشار الأسد بالدقة والوضوح في تشخيص المرحلة التي وصلت إليها الحرب الوطنية التي يقودها في مقاومة العدوان الاستعماري الذي وصفه بدقة من خلال تعبير المشروع الغربي الذي يستهدف هوية سورية ودورها وثوابتها الكبرى المتعلقة باستقلالها الوطني وبهويتها العربية التحررية وبدعمها لحركات المقاومة التي تقاتل الكيان الصهيوني .
سجل الأسد وبالوقائع معالم فشل المشروع الغربي وجدد تمسك سورية بثوابتها القومية والوطنية وبهويتها العربية وأكد ان المعركة مستمرة بين سورية وهذا العدوان والقوى الاستعمارية التي تقوده وتحركه وهو اوضح ان فشل العدوان ليس كافيا لإعلان النصر فالمعركة مستمرة ولأن المعركة مستمرة فعلا فالمطلوب بالتاكيد حشد مزيد من الطاقات والقدرات في ملحمة الصمود والمقاومة حتى دحر العدوان واستكمال تحرير آخر شبر من التراب الوطني وهي الغاية البارزة التي شدد على التمسك بها ولم يتهاون في توصيف المعتدين عليها بالمحتلين وحيث حرصت الحكومة السورية وبتوجيه من الرئيس على مطاردة الوجود الأجنبي غير المشروع بهذه الصفة وبتجديد العزم على طرد المحتلين بعد القضاء على عصابات التوحش والإرهاب وقد شرعت قيادات القوى المعتدية تتلمس البحث عن طرق الخروج من سورية خلال المرحلة المقبلة.
ثانيا تأكيد هوية الدولة الوطنية السورية العربية المقاومة في الخطاب هو بيان صريح عن فشل العدوان وليس فحسب من خلال الاعتراف الدولي المتزايد بمكانة الرئيس الأسد وبشرعيته وهذا بالذات ما أبرزته التعليقات الصهيونية التي نعت بعد الخطاب التوقعات التي سادت سبع سنوات في الأوساط السياسية والإعلامية الصهيونية عن رحيل الأسد وانقلاب سورية من حصن يثير الخوف والقلق إلى ساحة مخترقة وخاضعة حلم بعض الزعماء الصهاينة بجرها إلى مستنقع الاتفاقات الثنائية مع الكيان الصهيوني ومعلوم ما أظهرته التحركات الصهيونية من اهتمام وتركيز على التدخل العسكري والمخابراتي النشط في العدوان على سورية وحيث تساقطت تباعا طموحات الشريط الحدودي ورهانات تدمير قوة الجيش العربي السوري وقدراته الدفاعية وفشلت معها محاولات فك التلاحم بيم هذا الجيش والمقاومة اللبنانية بل وسقوط الرهان الذي كرره الخبراء والمخططون الصهاينة على تلاشي قدرات المقاومة اللبنانية في مستنقع الاستنزاف داخل سورية فقد انقلب كل شيء وارتسمت معالم عكسية لكل ما راهنت عليه تل أبيب وحيث الحقائق القاهرة التي يستند إليها صمود سورية ورئيسها تجزم بفشل الحسابات الصهيونية الغربية كليا فقد تمكنت سورية وحزب الله بالشراكة مع إيران وروسيا من تحويل التهديد إلى فرصة وباتت منظومة المقاومة الإقليمية أشد صلابة وقوة باعتراف القادة والخبراء الصهاينة.
ثالثا التوجه شرقا في خطاب الأسد ليس مجرد ملاطفة او مجاملة إنشائية لشركاء الصمود الذين دعموا سورية وساندوها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في مجابهة العدوان بل تعبير عن خيار استراتيجي وحضاري يجسد المصالح السورية القريبة والبعيدة ومن يتابع تطور علاقات سورية خلال سنوات الصمود والمقاومة مع كل من الصين وروسيا والهند وإيران يلاحظ ان التوجه شرقا هو خيار يترسخ في اتفاقات ضخمة تتصل باستثمارات عملاقة في قطاعات الطاقة والنقل والصناعة والتكنولوجيا وفي مجالات إعادة البناء بعد الحرب حيث شرعت تظهر معالم بعض المشاريع المرشحة للتعاظم والتطور في السنوات القادمة.
أعطت سورية خلال أربعة عقود كل الفرص لعلاقات جيدة مع الغرب وخصوصا مع اوروبا والحصيلة يعرفها السوريون من خلال انخراط دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة في أخطر الخطط الأميركية الصهيونية للتآمرعلى استقلال سورية لكن تمسك الرئيس بشار الأسد باستقلال بلاده وسيادتها الوطنية أفشل تلك المحاولات الخبيثة التي تكررت في اكثر من شكل وباكثر من قناع استخدم لاختراق سورية ولإخضاعها لكنها ظلت منيعة عصية رغم التكالب الاستعماري الغربي وهي ستكون شريكا رئيسيا في تكتل شرقي هادر يغير خرائط العالم الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.