الانقلاب الذي يحدث في رأس نتنياهو: تسفي برئيل
“اليسار ووسائل الاعلام يحاولون القيام بانقلاب على الحكم”، هذا ما قاله نتنياهو في مهرجان الليكود في حدائق المعارض. هو على حق. فطموح كهذا موجود لدى بعض وسائل الاعلام، لكن ليس فقط من الطرف اليساري. صحف المستوطنين مليئة بالانتقادات على أدائه، خاصة في موضوع البناء في المناطق، في صفحة الفيس بوك لاشخاص من الليكود، الذين يؤمنون بالايديولوجيا، لكنهم يحتقرون الجماعة الفاشلة التي تتحدث باسمها، تتم كتابة امور لا تسبب الخجل لمن تم اعتبارهم يسارا بالخطأ .
نعم، هذا اليسار الذي يتحرك بين اللامبالاة وبين الراديكالية المتطرفة، تعلق بما يريده اليمين، الذي يخجل بقيادته الفاسدة، وقسم منه خائف بالفعل على مستقبل الحزب الذي تتم اهانته من قبل عدد من الدجاج الذي يصيح ويستخدم المقاعد الـ 30 التي حصلت عليها وكأنها كانت وعدا الهيا لسلطة أبدية.
نتنياهو خائف وبحق: هذا هو الخوف المرضي المزمن للقادة السلطويين والديكتاتوريين، هذا مرض يأتي مع المنصب ويجعل القائد يشعر بالرعب من الاجراءات الديمقراطية. الفرق بين الديكتاتورية المتفاخرة التي لا تخجل من نفسها وبين قناع الديمقراطية هو أنه في الديكتاتوريات يوجد لدى القائد عموما جيش وشرطة جاهزين لصيد كل معارض للحكم، واغلاق وسائل الاعلام واعتقال المدونين ومصادرة صحون الاقمار الصناعية والقنوات التلفزيونية.
في افضل الحالات هناك اتفاق شفهي في هذه الدول بين النظام والحركات السياسية المعادية وبين وسائل الاعلام المستقلة، يقضي بأنه يُسمح بانتقاد الحكومة، لكن ليس من يقف على رأسها. ويمكن الكشف عن الفساد شريطة عدم التحدث عن عائلة الرئيس. كما قال بشار الاسد في خطاب توليه منصبه في العام 2000: “يجب أن تكون لكل دولة الديمقراطية المناسبة لها التي تنبع من ثقافتها وجذورها… الديمقراطية الغربية لا تناسبنا. وديمقراطيتنا يجب أن تنبع من تاريخنا وثقافتنا”. ويبدو أن الجيرة بين سوريا واسرائيل تؤثر على نتنياهو.
فشل الديمقراطية الاسرائيلية كامن هنا بالتحديد. فنتنياهو لا يستطيع استخدام قوات الامن ضد وسائل الاعلام الاسرائيلية، ولم يجد بعد الطريقة للربط بينها وبين تهديد أمن الدولة، مثلما يفعل الرئيس التركي بنجاح كبير. ورغم الجهود التي يبذلها هو وحزبه فانهم يجدون صعوبة في امتلاك وسائل الاعلام. وحتى صحيفة “اسرائيل اليوم” تبين أنها خائنة. وبقيت تهمة واحدة فقط يمكن اثارتها كقضية والحفاظ من خلالها على البقاء الأبدي في رئاسة الحكومة: وسائل الاعلام تريد الانقلاب. ومن يريد الانقلاب لا يمكن أن يكون ديمقراطي، ومن هو غير ديمقراطي لا يحق له العيش في دولة ديمقراطية.
هذه هي طبيعة العبثية التي تمثلها الديمقراطية التي تدافع عن نفسها. يجب أن تقوم بالقضاء على ممثلي الديمقراطية، سواء كانوا وسائل الاعلام أو المحاكم، اذا كانت تريد البقاء.
وما هي النتيجة التي ترجوها وسائل الاعلام من خلال الانقلاب؟ انشاء نظام لا ينتخبه الجمهور. وهنا المفارقة. هذه هي وسائل الاعلام الخطيرة التي لم تنجح في أي وقت في احداث الانقلاب. في اسرائيل مثلما في الولايات المتحدة، تعاني وسائل الاعلام من “اليسارية” والحكم يميني. فمم تخاف؟ إما أن قوة وسائل الاعلام غير مخيفة، كما يحاول نظام الحكم تصويرها، أو أن النظرية التي تقول إنها تستطيع تشكيل الرأي العام، بحاجة الى اعادة نظر.
يستطيع نتنياهو الاستمرار في الكذب على الجمهور من خلال اختراع قوى ظلامية تسعى الى احداث الانقلاب في الحكم، لكنه لا يستطيع تفسير كيفية تمكنه، رغم المؤامرات، من البقاء في الحكم لسنوات طويلة الى هذا الحد. ليست وسائل الاعلام وليس اليسار يقدران على احداث الانقلاب الموجود في رأس رئيس الحكومة. الخطر يوجد في اليمين الحكيم المثقف وخائب الأمل والجابوتنسكي، الذي فقد بيته لشعوب البلاد التي قامت باقتحامه.
هآرتس