ترامب… بدلا من الضغط على الزناد، يضغط على مفاتيح الحاسوب: ناحوم برنياع
خليج تومون، غوام… هذه الجزيرة النائية، على مسافة 3.400 كيلو متر من كوريا الشمالية، هو آخر مكان من الصواب إطلاق حرب نووية فيه. فماذا يوجد فيه؟ توجد قاعدتان أمريكيتان، واحدة لسلاح الجو وأخرى للاسطول، شواطئ استوائية تعرض تشمسا سريعا للسياح، و 160 ألفا من السكان، نحو نصفهم أطفال، أبناء قبيلة ميكرونيزية تدعى تشامورو.
ولعل غوآم يمكنها أن تبرر إنتاجا موسيقيا، شيئا من قبيل ماما مايا أو جنوب الهادئ. فالكثير من الشمس، الحب والأغاني، وليس الحرب النووية. من جهة أخرى، يوجد مجال للادعاء دوما بفقدان السيطرة. فالمواجهات بين كوريا الشمالية وباقي العالم كانت في الماضي وأوقفت قبل الأوان. أما المواجهة الحالية فتجتذب الانتباه العالمي بسبب عنصرين لم يكونا في الماضي. أنباء تقول إن كوريا الشمالية ستكون قادرة قريبا على إطلاق رؤوس متفجرة نووية تصل حتى القارة الأمريكية حتى كاليفورنيا وألاسكا، والسلوك الرئاسي لدونالد ترامب.
في كل المواجهات السابقة لعب كيم يونغ أون حاكم كوريا الشمالية، دور المجنون ولعب باقي العالم دور الراشد المسؤول. أما في هذه المواجهة فيلتقي كيم شخصا كقيمته. والنزال اللفظي بينهما يذكر بمعارك المصارعة: الصقران يهددان بإنزال الضربات الواحد على الآخر، يتحدثات ويتحدثان، ويصعب معرفة ما هو الحقيقي في تهديداتهما وما هو العرض.
«أنا مفزوعة»، تقول موظفة الاستقبال في الفندق. «أنا هادئ»، يقول الشرطي في شرطة الحدود. «أنا أعتمد على منظومة الدفاع المضادة للصواريخ في قاعدة سلاح الجو هنا. إذا أطلقت الصواريخ فالمنظومة ستعرف كيف توقفها».
في اليابان وفي كوريا الجنوبية نشروا في الأيام الأخيرة منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ في الميدان. ورد السكان بالاحتجاج: فهم يخافون، عن حق أو عن غير حق من الإشعال الالكترومغناطيسي الذي يأتي من وسائل الإطلاق. أما في غوآم فليس ثمة من يحتج: الجزيرة تعيش في ظل القواعد الأمريكية، ترتزق منها ومن العائلات التي تسكن فيها وتستقبل بمحبة كل ما يأتي من أمريكا. أحد الإنجازات التي تفخر فيها الجزيرة هو دكان من شبكة «كي مارت» التي يدعي السكان بأنها هي الأكبر في العالم.
وسواء كانت حرب أم لا فإن أحدا لن يسأل سكان غوآم رأيهم.
المشكلة في مواجهات من هذا النوع هي صعوبة الوصول إلى صيغة تخرج الطرفين منتصرين. قد يكون كيم يونغ أون مجنونا، ولكنه بعيد عن أن يكون غبيا. فهو يفهم ما لم يفهمه القذافي ـ بأن السلاح النووي هو الضمانة ألا يسقط نظامه. فهو متعلق برقبته بالصين: الصين يمكنها أن تسقطه بسهولة، من دون أن تطلق رصاصة واحدة. فكوريا الشمالية تعيش بفضل الفحم الذي تصدره إلى الصين والوقود الذي تستورده عبرها. أما الصين فيمكنها أن تغلق الصنبور. ولكن الصين لا تسارع لمنح هذا النصر للولايات المتحدة. مريح لها أن تبقى الهسهسة الكوريانية تئز في الأذن الأمريكية. مريح لها أن، شريطة ألا يتدهور الأزيز إلى حرب.
ومن الجهة المقابلة ترامب. أسلافه، كلينتون، بوش واوباما لم يواجها النووي الكوري الشمالي. هو محق عندما يقول إنه كان هنا خطأ تاريخي. من جهة أخرى فهو يمتنع عن كل عمل عسكري ذي مغزى. ناخبوه لا يريدون حربا، وبالتأكيد ليس في سوريا. وبدلا من الضغط على الزناد فإنه يضغط على مفاتيح الحاسوب. استراتيجيته العسكرية هي التغريد.
إدارة ترامب، اكثر من كل الإدارات قبلها، تعتمد على الجنرالات. رئيس الطاقم، وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي هم جنرالات شبعوا معارك. الأمريكيون الذين يخافون من ترامب يعولون عليهم ـ هم الذين يفترض بهم أن يكونوا الراشد المسؤول. أما في هذه الأثناء فإنهم يدافعون عن ترامب.
يديعوت