السقوط بفعل الوطأة 2: عمران الزعبي
كيف استطاعت سورية الدولة الثبات خلال فترة الحرب القاسية التي تعرّضت لها خلال المرحلة الماضية، وما هي عوامل قوّتها الحقيقيّة، وكيف وظفت وأدارت معاملات هذه القوة في مختلف مراحل الحرب الأكثر تعقيداً خلال أكثر من قرن؟
يمكن مقاربة هذا النقاش الذي سيبقى مفتوحاً لسنوات طويلة عبر المحدّدات الآتية:
أولاً: إنّ موقع سورية في الجغرافية موقع هامّ للغاية، يجعل السيطرة عليها مفتاحاً لتغيير اتجاهات السياسة والاقتصاد لعقود مديدة وفي العالم كله.
ثانياً: إنّ موقع سورية في التاريخ يؤكد أنّ هذه البلاد شهدت حضارات عريقة لا زالت آثارها دالة على حضورها الدائم، كما شهدت غزوات كبرى هُزمت جميعها وبقيت البلاد نابضة، رغم كلفة الدفاع عن الحضارة ومساوئ الحروب.
ثالثاً: إنّ البنية السياسية للدولة السورية الحديثة منذ الجلاء 1946 إلى الآن بقيت محكومة بين البعد القومي والبعد الوطني في معادلة منسجمة لا نظيرَ لها. وهذا ما جعلها قلب العروبة النابض بما يعنيه غيابها من توقف لهذا القلب وولادة أزمة العروبة بالمعنى الوجودي لا المجازي.
رابعاً: إنّ الشعب السوري بطبيعته غير عنيف، بل وضدّ العنف، أيّاً كان مصدره، ولكنه لم يقبل أن يُمارس عليه العنف والإرهاب من دون أن يواجهه بغضّ النظر عن نتائج المواجهة ومَن هو الرابح فيها.
خامساً: إنّ الإدارة السورية للحرب كانت صارمة في معاييرها واستدلالاتها الناشئة عن المعطيات والخبرة الطويلة في مواجهة الرجعية والقوى الاستعمارية.
سادساً: إنّ تحالفات سورية وصداقاتها العميقة عبر عقود من الزمن ومواقفها المبدئية تجاه المقاومة وإيران وروسيا ورفضها مقايضة هذه العلاقات بالإغراءات المختلفة، رغم كثرة ووفرة ما قدّم لها من عروض أثبت أنّ مبدئية النظام السياسي ليست أقلّ من براغماتيته.
سابعاً: إنّ موقف الحلفاء والأصدقاء والأخوة المشرّف والأصيل والوفي، كان عنصراً بارزاً وهاماً وحقق انعطافة كبرى في نطاق التصدّي للإرهاب التكفيري ومحاولات كسر الدولة واختراق سيادتها واستقلالية قرارها الوطني.
ثامناً: إنّ المراجعات السياسية التي تجريها الدول حول موقفها من سورية لها دوافعها الموضوعية المحدّدة بثبات الدولة السورية وفشل المؤامرة وليس في ذلك أيّ رومانسية سياسية أو تعاطف أو نيات حسنة مجرّدة.
تاسعاً: إنّ إدراك الدول التي اعتدت على سورية أنّ مخاطر الوحش الإرهابي الذي أطلقته قد بدأت بالارتداد، والمسألة تتعلّق بالوقت والفرصة، وأنّ خياراتها ضيقة في مواجهة هذا الإرهاب وتعنّتها يقودها إلى ما هو غير مسبوق في أمنها الذاتي.
عاشراً: إنّ السوريين الذين عانوا من الحرب في الداخل موتاً وخراباً وشظف عيش هم سرّ الصمود الحقيقي للوطن برمّته، وكذا السوريين الذين دفعهم الإرهاب إلى ترك البلاد رغماً عنهم.
لكن ثبات الدولة والشعب بكلّ صراحة وصدق كان يقترن بعاملين بارزين: تضحيات الشهداء والجرحى وقيادة الرئيس بشار الأسد الهادئة والصارمة والواعية لخدمة المبدئي الذي هو بالضرورة قومي ووطني وسيادي وتقدّمي وديمقراطي.
(البناء)