هل يؤثر التعامل اللبناني بشرعية الدولة السورية؟
ناصر قنديل
– ثمّة محاولة في هذا المقال لتجنّب لغة السجال والاصطفاف السياسي لمخاطبة اللبنانيين الذين يستمعون كلّ يوم لمعزوفة سياسية تريد إقناعهم بأنّ التواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية هو حاجة تتوسّلها القوى الحليفة لسورية، لنيل شرعية للدولة السورية من تعامل الحكومة اللبنانية معها، ولذلك لن نناقش أصحاب الرأي ولا خلفياتهم ولا سبب تصعيدهم ضدّ محاولات التواصل هذه والالتفاف على وقائع التواصل المصلحية كلّها من طرف الحكومة اللبنانية في شؤون المنتجات الزراعية وشراء الكهرباء وتسميتها بابتكار دستوري قانوني يضمّها تحت عنوان تشغيل المرفق العام، حتى السفارات المتبادلة صارت تشغيل مرفق عام، وأمامنا دول تعترف بشرعية بعضها ولأسباب دون مستوى إسقاط صفة الشرعية عن الآخر تغلق السفارات أو تخفض مستوى التمثيل، ولأنّ النفاق والانتهازية وتخديم حاجة واشنطن لأوراق تفاوض مع سورية، من بينها العلاقات مع لبنان التي تريدها واشنطن مع التهديد بنشر اليونيفيل على الحدود ورقة تفاوض. سنترك هلوسات بعض السياسيين أصحاب النظرية جانباً ونناقش الفكرة، طالما أصحابها سيسحبون كلامهم بمجرد فتح السفارة الأميركية في دمشق واستنفاد التفاوض الأميركي السوري حاجته لكلامهم كبريد للرسائل.
– السؤال الأول الذي يواجهنا في مقاربة الموضوع هو، بالقياس الدبلوماسي للتعامل الخارجي مع الحكومة السورية، هل يقدّم ويؤخّر التعامل اللبناني إذا بقي التعامل الأميركي والسعودي على حاله، باعتبارهما مفتاحَي التعامل الغربي والعربي؟ وهل يتوهّم أحد أنّ التعامل اللبناني الطبيعي مع الحكومة السورية سيغيّر في موقف كلّ من واشنطن والرياض، وإذا كانت مصر والجزائر والعراق بين العرب لا تستطيع أن تغيّر بمواقف واشنطن والرياض أو تعوّض غيابهما عن التعامل مع الحكومة السورية، فهل يمكن ذلك للبنان؟
– السؤال الثاني هو: هل نحن في سياق مرحلة تصاعدية للقطيعة مع سورية على مستوى الدول التي تخوض حرباً عليها، ويقف دعاة القطيعة ضمن صفوف تلك الدول كما نعلم ويعلمون، أم نحن أمام السير المعاكس لبدء عودة العلاقات مع الحكومة السورية؟ وماذا تقول الوقائع؟ ألم تكن فرنسا رائدة قطع العلاقات أوروبياً وغربياً ووقف رئيسها إيمانويل ماكرون بحضور الرئيس الأميركي يقول إنّ إغلاق السفارة الفرنسية بدمشق كان حماقة، وأن لا بديل شرعيٌّ عن الرئيس السوري بشار الأسد؟ لو كان المناخ تصعيد حملة المقاطعة لكان مفهوماً تخديم بعض اللبنانيين للحلف الذي ينتمون إليه في تزخيم هذا المناخ بمواقفهم، أما وانّ الأمر عكس ذلك، فأيهما أهمّ لسورية كلام ماكرون أم كلام سمير جعجع عن شرعية الحكومة والرئيس في سورية؟ وقياساً بكلفة الحصول على موقف ماكرون هل يستحق الحصول على موقف مشابه لجعجع بكلفة أعلى؟
– لنتخيّل أنّ الحكومة اللبنانية قرّرت بعد اجتماع لها تكليف وفد حكومي، يضمّ وزراء ومدراء أجهزة أمنية تحضير زيارة لدمشق لبحث ملف عودة النازحين، فما هو الكسب السوري من ذلك؟ أن تقول سورية إنّ حكومتها شرعية بدليل زيارة وفد يترأسه وزير الداخلية اللبنانية مثلاً؟ هل يصدّق أحد فعلاً هذا الكلام؟ وهل يظنّ هؤلاء أنّ الرئيس السوري سيكون مهتماً باستقبال الوفد ما لم يكن مُحرَجاً ليفعل ذلك لأنّ اللبنانيين
طلبوا وألحّوا، ونجاح التعاون يستدعيه؟ كي يقلقوا من معنى زيارة الرئيس السوري كاعتراف بشرعيته؟ ثم ماذا سيحدث؟ سيشتغل المدراء مع المدراء على دراسة آلية لعودة النازحين، وهي رغم الإنكار والمكابرة لا تتمّ من دون الحكومتين، وتعاون المؤسسات، أولاً لمسح واقع النازحين وتوزّعهم الجغرافي على مناطق الإقامة في لبنان ومناطق النزوح في سورية، وتقدير الأولوية الجاهزة لبدء حملة العودة، ومن ثم مسح مشاكلها القانونية والتسويات التي تستدعيها، لمن غادروا سورية أو دخلوا لبنان بصورة غير شرعية، أو مَن لديهم ملفات قانونية تحول دون عودتهم بلا تسويتها، ليتمّ بين اللجان المشتركة البدء بروزنامة تنفيذية مرفقة بجداول اسمية للعائدين تبيّن حالاتهم وتسوياتها؟ وما هو الكسب السوري هنا في الشرعية؟
– الذين يقولون إنّ التعاون لن يتمّ في ملف النازحين إلا مع الأمم المتحدة يضحكون على اللبنانيين، لأنّ الأمم المتحدة ستتعامل مع الحكومة السورية، وبقياس كلام المعترضين سيكون الاعتراف موثقاً بخاتم أممي. وبالمناسبة في سورية بعض المواطنين بسبب المواقف الحمقاء التي صدرت من بعض اللبنانيين، يطالبون حكومتهم بوقف العمل باتفاق مدّ لبنان بالكهرباء، ويردّ عليهم آخرون لا تفعلوا ذلك احتراماً لتضحيات حزب الله في سورية ومواقف القيادات اللبنانية الشريفة، ولا تجوز معاقبة الشعب اللبناني بسبب مواقف بعض السياسيين، فهل يعلم هؤلاء ماذا جنت وتجني أيديهم على لبنان؟