بقلم ناصر قنديل

متغيّرات متسارعة

ناصر قنديل

خلال أيّام قليلة ورغم ضجيج المعارك والتصريحات النارية تظهر مؤشرات متسارعة على وجود إطار شامل لتهدئة الحروب وحلحلة الأزمات يتخطّى حدودها الكيانية والإقليمية. ففي الأزمة الكورية وبعد يومين من تبادل تصريحات نارية أميركية وكورية شمالية تتحدّث عن ضربات ساحقة، يعلن وزير الدفاع الأميركي عزم واشنطن على التفاوض بواسطة أطراف ثالثة، ومعلوم أنه نتاج تفويض لروسيا والصين للإدارة التفاوضية للأزمة، وتعلن كوريا الجنوبية رغبتها بالتفاوض المباشر مع كوريا الشمالية .

في الأزمة الخليجية تراجعت المناخات التي تتحدّث عن خطوات حاسمة لدول المقاطعة لقطر بقيادة السعودية، وحلّ مكانها الحديث عن مراجعة تفاوضية للأزمة، وصار الحديث عن الحوار مفردة تتكرّر في التصريحات الدولية والإقليمية المعنية بملفّ الأزمة، بعدما استنفدت فرص الضربات القاضية التي راهنت عليها السعودية منذ أكثر من شهرين، بينما في الحرب على اليمن تدور محادثات المبعوث الأممي على تحديد هوية طرف ثالث مقبول من الفريقين يتولى مرفأ الحديدة ومطار صنعاء كخطوة تمهيدية لفك الحصار البحري والجوي الذي فرضته السعودية على اليمن والذي كان سلاحها الأمضى رهاناً على تركيع اليمنيين، ويجري التداول بقوة دولية أو بقوة عُمانية أو قوة عُمانية كويتية مشتركة لهذا الغرض.

في سورية يندفع الجيش السوري بقوة عسكرية شرقاً في البادية ونحو دير الزور، لكنه يندفع عسكرياً بمواكبة سياسية في الجنوب على إيقاع التفاهم الروسي الأميركي، بعدما فقدت الجماعات المسلحة التي رفضت التسليم الطوعي للجيش السوري لمناطق سيطرتها، خصوصاً على الحدود مع الأردن، فيحسم الجيش السوري المعابر في محافظة السويداء من دون أن تكون الطائرات الأميركية تتربّص بوحداته، كما جرى على الحدود السورية العراقية، وينهزم المسلحون بعدما تلقوا ضربات قاسية. وعلى المستوى السياسي تبدو عملية تركيب وفد للمعارضة بمقاسٍ مناسب لمهمة جنيف المقبلة حتى نهاية العام، عنواناً للحوارات التي تدور تحت عنوان وفد موحّد للمعارضة، بالتوازي مع عملية فك وتركيب وإبعاد وتقاعد وتمارض لقيادات لا مكان لها في المعادلة الجديدة، التي تقوم على تشكيل حكومة سورية تضمّ تمثيلاً للمعارضة في ظلّ الرئاسة السورية والدستور السوري، والتسليم بسقوط مشروع الإسقاط وبأولوية الحرب على الإرهاب.

في الأزمة الأوكرانية، ورغم كلّ مظاهر الخلاف حول حلها وكيفياته وما ترتب على الأزمة الدبلوماسية الأميركية الروسية مع العقوبات الأميركية على روسيا، وقرار موسكو إبعاد الدبلوماسيين الأميركيين، يعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه بنتيجة لقاءات مانيلا مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون وتأكيد تفاهمات الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، فإنّ مسؤولين أميركيين وروساً سيلتقون قريباً للتداول في تنشيط مساعي الحلّ في أوكرانيا.

هذه التطورات والمتغيّرات المتسارعة تمنح قدراً عالياً من المصداقية لما تسرّب عن تفاهم بين الرئيسين الروسي والأميركي على هامش قمة هامبورغ، على السعي لتنقية المشهد على الساحة الدولية من عناصر التوتر مع نهاية العام، وجعل الصورة الأبرز للسياسة الدولية هي التعاون في الحرب على الإرهاب. وهذا يعني إطفاء النيران التي تشعل الحرائق، أو منع ضخّ الوقود عنها لتنطفئ نارها، وبذلك نشهد تدريجاً فقدان محفزات وموارد الحروب التي لا تستطيع الاستمرار بدونها، ما يؤكد أنها حروب أشعلت واستمرت بقرار خارجي، مهما بدت أسبابها المحلية والداخلية وجيهة، وأن لا حرب تملك أسباب الاستمرار بلا حاضنة دولية بحجم ما تقدّمه واشنطن، أو توحي لحلفائها بتقديمه، أو تغضّ النظر عنهم عند تقديمه، وعندما تقرّر فإنّ من كانوا يكابرون بالأمس ينصاعون اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى