جمهور محظور عليه فعل أي شيء: تسفي برئيل
قبل ست سنوات تقريبا قرر مواطنو مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا عزل زعمائهم. في إسرائيل ليس هناك قلق من نهوض الجمهور والسير نحو منزل رئيس الحكومة. إسرائيل دولة تعتمد على الإيمان بأن الأجهزة الديمقراطية تحافظ ليس فقط على الرؤساء في وجه غضب الجمهور الواسع، بل تحافظ أيضا على الجمهور ومصالحه وتوفر الأدوات السياسية لاستبدال الحكم من دون الحاجة إلى قلب الدولة رأسا على عقب. هذا إيمان جديد للدولة التي يحترم فيها الرئيس الجمهور. في دول الثورات العربية التي يخاف فيها الجمهور من الأنظمة كانت القصة مختلفة. أولا، الإقالة، وبعد ذلك المحاكمة. أما في إسرائيل فإنه طالما أن الرئيس غير مدان قضائيا فإن الجمهور وجهاز القضاء يلتزمان بالدفاع عن براءته وعن كرسيه .
في إسرائيل لا تعتبر الرائحة الكريهة التي تنبعث من الشخصية العامة سببا للإقالة. والسموم التي يبثها ضد أسس الديمقراطية لا تخضع لقوانين الأدلة. فهم لا يقومون بإقالة رئيس حكومة بسبب عناوين نشرت في الصحف (لكن إذا كانت العناوين كاذبة فلماذا لا يتم تقديم من كتبوها للقضاء). والقانون الجاف لا يعتبر الاستمتاع المبالغ فيه مخالفة، ولا يحدد ما هو الضرر الذي سيلحقه بالدولة وبمكانتها الدولية، وما هي الأضرار التي تستحق العقاب في عملية اتخاذ القرارات. القانون ينص على أن التحريض والعنصرية هي مخالفات، وليس جنون الأجهزة، القانون يعرف كيف يعالج الفساد والاغتصاب الذي يقوم به رئيس الدولة أو الرشوة التي يتلقاها، لكنه يكون بلا حيلة أمام الضرر الشديد الذي يصيب الديمقراطية والذي يجد تعبيره في العلاقة بين المال والحكم وشراء الرأي العام من خلال وسائل الإعلام المجندة، والايديولوجيا التي تقترب من العنصرية.
يعرف القانون ما معنى إهانة موظف رسمي، لكنه لا يعرف ما معنى إهانة الجمهور من قبل قائده. في الدول العربية هذا الترتيب لم ينجح. فقد عرف الجمهور جيدا أن القانون وجد لخدمة القائد، لذلك فإن العناوين في الشبكات الاجتماعية هي التي قامت بتغذية الثورات. وفي المقابل، يعرفه الجمهور في إسرائيل والغضب الذي يشعر به هي أمور ليست ذات صلة لأن الجمهور بمجملة ليس ذا صلة. إذا من هو الجمهور ذا الصلة؟ والذي يستخدم الوسائل الديمقراطية المتوفرة لديه مثل المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات غير العنيفة، أي كل ما فعله الشعب في القاهرة وتونس من أجل اسقاط الرئيس.
في إسرائيل الجمهور وليس الرئيس هو الأسير لعدم القدرة. محظور عليه الاحتجاج أو المطالبة بالإقالة أو تطبيق حقه في الحصول على رئيس جدير. المطلوب من الجمهور الصمت إلى حين موعد الانتخابات. اسمح باستنفاد الإجراءات القانونية، هذا ما يقولونه للجمهور، وكأن الحديث يدور عن مشاغبين في منافسة رياضية. ولكن بالضبط من خلال منع هذا الجمهور من أن يفعل أي شيء، يقوم بنيامين نتنياهو ببناء سيرته قبل الجنائية. نظيراه السابقان في الدول العربية، حسني مبارك وزين العابدين بن علي، حاولا تبني هذه الطريقة وفشلا. الجماهير التي صمتت لأجيال نهضت وصرخت: ارحل. وهذا الشعار أصبح رمز الثورات. ولكن في الديمقراطية الإسرائيلية، في الصيف القائظ والشتاء البارد والربيع القصير، محظور تبذير الوقت على هذه الثورات.
الجمهور في إسرائيل يثق بالديمقراطية والقانون. وهو يقوم بالتظاهر أمام منزل المستشار القانوني وكأنه هو المجرم، ويحشر عند الصعود إلى القدس قبل وصوله إلى التظاهر أمام منزل المشبوه الحالي. كم هو سهل ترك الانطباع لدى الجمهور بأن المقاعد الثلاثين التي حصل عليها الحزب الحاكم، وهي فقط ربع أصوات الناخبين، تمنح رئيس الحكومة الحصانة ضد غضب الجمهور. والأرباع الثلاثة المتبقية ستستمر في الصمت وكأنها تدافع عن الديمقراطية التي أصبحت خرقة لتنظيف القاعة أو المنزل في شارع بلفور.
هآرتس