تيلرسون قادر على إنهاء الأزمة القطرية دينيس روس
“وول ستريت جورنال“
1 آب/أغسطس 2017
يتصدر دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» أولويات إدارة الرئيس ترامب فيما يخص الأمن القومي. لكن طرد «داعش» من الموصل والرقة قد يعني في النهاية غياب القدرة على ضمان أمن هاتين المدينتين وغيرهما وإعادة بنائها وحكمها. ويتطلب منع حصول فراغ خطير في السلطة في المناطق المحررة من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» انخراطا عاجلا للدول العربية السنّية الموحدة.
ولسوء الحظ، ينشغل السعوديون والإماراتيون والبحرينيون والمصريون حالياً بالوضع الدبلوماسي المعقد مع قطر على خلفية دعمها لحركة «حماس» وجماعة «الإخوان المسلمين». وقد حاول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون التوسط، لكنه ارتكب خطأً بسفره إلى المنطقة قبل التفاوض بشأن خطة لإنهاء الصراع. وتتطلب أصول الحكم الجيدة جعل رفض مطالب الولايات المتحدة أمراً غير مقبول.
وهناك بالفعل دلائل تشير إلى أن الجانبين قد يكونا أكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية لحفظ ماء الوجه. فقد خفض التحالف الذي تقوده السعودية مطالبه الأساسية الثلاثة عشر التي شملت إغلاق قناة “الجزيرة” وقاعدة عسكرية تركية. وعوضاً عن ذلك، تطلب هذه الدول من قطر التصرف وفقاً لمجموعة مبادئ تشمل محاربة الإرهاب والتطرف، ورفض توفير التمويل والملاذ الآمن للجماعات الإرهابية، وإنهاء التحريض على الكراهية، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وتُعتبر هذه المبادئ واسعة بما يكفي لإفساح المجال لكلي الجانبين للتوصّل إلى تفاهم، كما أن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني قال إنه منفتح على الحوار.
وتجدر الملاحظة أن نظام آل ثاني يسمح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة “العديد” الجوية، وقد دعا جامعات أمريكية مثل “نورثويسترن” و”تكساس إيه أند أم” و”جورجتاون” إلى فتح فروع لها في قطر. غير أن الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط تؤمن المأوى لكبار قادة حركة “طالبان”، وتدعم الإسلاميين المتطرفين في ليبيا وسوريا، وتمول منصات إعلامية لجماعة «الإخوان المسلمين» لبث رسالتها. ولا بدّ لأي حل لهذا الصراع أن يضمن تخلي قطر عن هذه المعايير المزدوجة.
وعلى افتراض أن يحظى تيلرسون بدعم الرئيس ترامب، سيتعيّن على الرئيس التنفيذي السابق لشركة “إيكسون” إبلاغ كافة الأطراف بكيفية انتهاء الأزمة بسرية ولكن بصراحة – وذلك بقيام قطر بتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مؤخراً مع الولايات المتحدة حول تمويل الإرهاب، والتزامها باعتقال أو طرد كافة الجهات التي صنفتها الولايات المتحدة داعمة أو ميسّرة للإرهاب، والتوقف عن توفير أي دعم مادي لأي جماعة تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً لاستقرار المنطقة.
ويتعيّن على تيلرسون أن يوضح أنه في حال رفض القطريون [تنفيذ مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة والتزاماتها الأخرى الآنفة الذكر]، ستسحب الولايات المتحدة قواتها من قاعدة “العديد”. وهذا هو نوع التهديد الذي لا بدّ أن يشغل تفكير آل ثاني. فالقطريون يعتبرون الوجود العسكري الأمريكي بمثابة ضمانة أمنية. فمنع انسحاب الولايات المتحدة [من القاعدة العسكرية] يمنحهم الغطاء السياسي الذي يحتاجون إليه لإنهاء المواجهة الحالية. وآخر ما يرغب فيه القطريون هو أن يُنظر إليهم بأنهم استسلموا للسعوديين.
وبالتالي، فإن التدخل الأمريكي الفعال ضروري الآن لعدة أسباب. فتنظيم «الدولة الإسلامية» المهزوم قد يستغل الارتباك الحالي من أجل استعادة قوته. كما تستعد إيران وميليشياتها الشيعية أساساً لملء أي فراغ في السلطة في كل من العراق وسوريا، الأمر الذي يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. وبالنسبة إلى تيلرسون، قد تتوقف كفاءته المستقبلية كوزير للخارجية على هذا الأمر.
إن تردد تيلرسون أو عدم قدرته على ملء المناصب العليا في وزارة الخارجية الأمريكية ورسائل إدارة ترامب المتناقضة في كثير من الأحيان أثارت الشكوك حول قدرته على التحدّث باسم الرئيس الأمريكي، وهو موقف ضعيف بالنسبة إلى وزير خارجية. لذلك، يتعين على تيلرسون أن يثبت بأنه يتمكن من حلّ المشاكل الدبلوماسية من خلال ممارسة النفوذ والتوصّل إلى نتائج. ولا بدّ من أن يحقق نجاحاً، لئلا يبدأ شركاء أمريكا وخصومها بالتشكك حول ما إذا كان من المنطقي العمل معه.
ولم يتميّز وزراء الخارجية الأمريكيين الأكثر كفاءةً بدهائهم الاستراتيجي، بل بنفوذهم الذي لا لبس فيه. فلم يشكّك أحد فيما إذا كان هنري كيسنجر أو جيمس بيكر يتحدثان باسم الرئيس. فالسلطة والصلاحية التي أظهراها جعلت التهديدات التي أطلقاها والضغوط التي مارساها قابلة للتصديق. ونادراً ما تنجح الدبلوماسية من دون نفوذ.
وخلافاً لكيسنجر وبيكر، لا يمكن لتيلرسون الاعتماد على رسائل البيت الأبيض من أجل تعزيز دبلوماسيته. وما لم يرغب في اضمحلال سلطته تدريجياً مع الوقت، عليه تحقيق نجاح دبلوماسي على مستوى عالٍ – وقريباً. وتوفّر أزمة قطر فرصة مثالية لتحقيق هذا المسعى.
دينيس روس دبلوماسي أميركي سابق ومخضرم عمل في بعثات اميركية إلى المنطقة العربية وشارك في مفاوضات دبلوماسية عديدة مع سورية حول الصراع العربي الصهيوني وكان المساعد الخاص للرئيس باراك أوباما. وقد شغل أيضاً عدة مناصب متعلقة بالأمن القومي للولايات المتحدة في إدارات أمريكية مختلفة ومؤخرا يعمل باحثا في معهد واشنطن مؤسسة اللوبي الصهيوني للأبحاث.