لا بد سنشتاق إلى ابو مازن: روني شكيد
رغم عمره المتقدم (82 سنة)، حالته الصحية المتضعضعة التي يصفها اطباؤه القلقون «بالممتازة»، وإحباطه العميق من فشله في التقدم بأبناء شعبه نحو دولة مستقلة، يصر ابو مازن على مواصلة الامساك بلجام الحكم. مثل طغاة آخرين في الشرق الاوسط، يمتنع عن تعيين خليفة له، عن تحديد أحد من أعوانه او على الاقل ان يحدد آلية تنتخب خليفته. وفي المقاطعة يصمتون عن ذكر اليوم التالي، رغم أنه واضح لهم جميعا انه يقترب بخطوات كبيرة. يدخل الفلسطينيون في فترة انتقال وانتظار، المستقبل بعدها غامض.
حكومة اسرائيل هي الاخرى لا تستعد لليوم التالي لأبو مازن. قادة الليكود والبيت اليهودي ينتظرون انصراف من برأيهم هو مصدر كل الشر في علاقات الفلسطينيين مع اسرائيل، ويسلون انفسهم بالوهم بأن خليفته سيكون أكثر اعتدالا منه، فيوقف التحريض، ويوقف الإرهاب.
يحلمون احلام صيف في أن يوافق خليفته على تغييرات في سيطرة المسلمين على الحرم، يسلم بالمستوطنات ويكتفي بكيان فلسطيني ذي حكم ذاتي صغير جدا.
ليس لهذه الاوهام (ولعلم بيتان وريغيف، هذه ليست موجودة لدى المخابرات، ولا في جهاز الامن) أي اساس في الواقع. كل من ينصت للخطاب الفلسطيني في الشارع، النخبة والقيادة السياسية يفهم بأن ليس هناك رغبة في مواصلة طريق ابو مازن المعتدل، الذي ادى من ناحيتهم بالفلسطينيين إلى اسفل درك الخط الاحمر في المساومة.
ما هو مشترك بين كل المتنافسين على الخلافة ـ جبريل رجوب، محمد دحلان، محمود العالول، ماجد الفرج او مروان البرغوثي- هو كونهم اكثر صقورا منه.
ما يوحد الفلسطينيين في صراعهم ضد اسرائيل هو فكرة النزاع وفي مركزها الثوابت- المبادئ الاساس، التي لا يمكن التنازل عنها ابدا، والتي تتضمن اقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس؛ حق العودة؛ تحرير السجناء وعدم الاعتراف بإسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. أما الزعيم الذي يخرج عن هذه المبادئ فلن يبقى.
ابو مازن جيد لليهود بل وحتى مجدٍ لحكم الليكود واليمين. فقد قاد نحو وقف الإرهاب المسلح المنظم؛ ثبت التعاون الامني، الذي على حد قول قادة الجيش الاسرائيلي يساهم في احباط الإرهاب؛ تمسك برؤيا الدولتين، التي تعني على حد قوله التنازل عن 78٪ من اراضي فلسطين لمصلحة الدولة الصهيونية؛ عمل بيد حازمة ضد حماس، وعمق الانشقاق بين الضفة وغزة- مصلحة اليمين في كفاحه ضد اقامة دولة فلسطينية. كما ان معارضته الشديدة لعدم اجراء مفاوضات بلا مضمون خدمت مصلحة حكومة نتنياهو في الهروب من المفاوضات السياسية. صحيح أن ابو مازن نجح في إثارة الغضب بخطوات نزع الشرعية والكفاح في الساحة الدولية ضد الاحتلال، ولكن حتى من دونه كانت المقاومة للمستوطنات والدعم الدولي لحل الدولتين موجودة.
خلافا لشعار اليمين المتكرر، كان بوسع ابو مازن ان يكون الشريك الافضل للمفاوضات. أما الحكومة فقد فوتت ايام حكمه كي تحاول التقدم نحو الاتفاق. غير أن حكومة اليمين تفضل الايديولوجيا القومية وتخلق بكلتى يديها البنية التحتية لدولة ثنائية القومية مع اغلبية ديموغرافية عربية في بلاد اسرائيل، وهذا سيئ لليهود. بالمناسبة، ليس للزعم بأنه من دون التعاون الأمني لإسرائيل سوف تسيطر حماس على السلطة الفلسطينية أي اساس: هذه ليست سوى اسطورة مدنية هدفها تبرير التعاون الامني من جانب اسرائيل. فلدى ابو مازن قوات عسكرية مدربة وطائعة اثبتت قدرتها على منع حماس في الضفة من رفع الرأس حتى من دون مساعدة من اسرائيل.
في جهاز الأمن، وعن حق، قلقون من اليوم التالي لأبو مازن. فالاستقرار السلطوي الفلسطيني هو ضمانة للأمن، وهو كفيل ايضا في المستقبل بالمساعدة في بدء المفاوضات، وعليه فمن الخير إذا ما عمدت اسرائيل في هذه الفترة الانتقالية، التي لا يعرف احد كم ستطول، إلى القيام بمبادرات طيبة، افعال ونشاطات تشير على الاقل إلى الرغبة في اعادة بناء الثقة، منعا للفوضى في اليوم التالي.
يديعوت