مقالات مختارة

دمشق و«قسد» إلى مستوى جديد: غرفة عمليّات مشتركة؟: صهيب عنجريني

«غرفة عمليات مشتركة» هي أحدث تطورات العلاقة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، و«قوات سوريا الديمقراطيّة» من جهة أخرى. معارك ريفي الرقة ودير الزور شهدت بواكير عمل هذه الغرفة، فيما يُنتظر أن يتنامى عملها قريباً مع ترجيح الكشف عنها رسميّاً. ومن شأن هذا التطور حال تأكيده أن يطرح أسئلة عدة، على رأسها الموقف الأميركي منه، في ظل صعوبة (إن لم يكن استحالة) إقدام «قسد» على خطوة مماثلة من دون موافقة أميركية

العلاقة بين الجيش السوري و«قوّات سوريا الديمقراطيّة» على أبواب منعطف مهم سيترك تأثيراً في المشهد السوري برمّته. ومن المنتظر أن يتجاوز هذا التأثير الميدان العسكري، وصولاً إلى الملف السياسي. العلاقة بين الطرفين سبق لها أن شهدت توترات وصلت حدّ الاشتباك الدامي، لا سيّما في أحداث الحسكة الشهيرة (آب 2016) وبدرجة أقل في حزيران الماضي في ريف الرقة الجنوبي.

لكن هذه العلاقة شهدت أيضاً فترات تنسيق عسكري غير معلن كانت خواتيم معركة شرقي مدينة حلب أوضح مظاهرها، كما حملت المستجدات الميدانية في منبج دخول وحدات من الجيش السوري وتمركزها على أطراف المنطقة في وجه الجيش التركي والمجموعات العاملة تحت كنفه في «درع الفرات» («الأخبار»، العدد 3115). لكنّ الجديد الذي حملته الفترة القصيرة الماضية تجاوز في تفاصيله كلّ ما سبق، وصولاً إلى استحداث «غرفة عمليّات عسكريّة تتولّى التنسيق التام بين الطرفين»، وفقاً لمعلومات حصلت عليها «الأخبار». وتشير المعلومات إلى أن الغرفة المذكورة باشرت مهماتها بالفعل لتكون معارك ريفي الرقة ودير الزور الأخيرة مسرح نشاطها الأوّل. وتقول أنباء متطابقة حصلت عليها «الأخبار» من غير مصدر إنّ تطورات مرتقبة في عمل «الغرفة» ستشهدها الفترة القصيرة القادمة (أسبوعان على الأكثر وفقاً للمصادر)، ما سينعكس تكثيفاً لوتيرة عمليات تحرير المحافظتين الشرقيتين من قبضة تنظيم «داعش».

مصادر «الأخبار» تؤكّد أنّ «التطورات قد لا تقتصر على مستوى التنسيق وحجمه، بل تتجاوزه إلى الكشف عنه رسميّاً، ليكون تعاون الطرفين في محاربة الإرهاب مظلّة تجمعهما بشكل مُعلن». وإذا كان التواصل بين الطرفين قد مرّ في المراحل السابقة بتقلّبات حكمتها ظروفٌ موضعيّة أحياناً، فإنّ التوافق هذه المرّة يبدو مستنداً إلى جملة معطيات جوهريّة تتجاوز الفعل وردّ الفعل أو معطيات «تحالف الضرورة». ومن بين أبرز العوامل المؤثّرة تأتي تفاصيل لم تخرج إلى العلن، بعضها يتعلّق بالتصعيد التركي الأخير حول عفرين، وبعضها يرتبط بـ«خلاف» بين «قسد» وواشنطن في شأن معبر التنف (يُرجّح أن الخلاف وقع بالفعل رغم أن مصدرين كرديين تحدثت إليهما «الأخبار» امتنعا عن تأكيده، لكنهما لم ينفياه أيضاً). ويتمحور «الخلاف» حول طلب أميركي لنقل عناصر من «قوات النخبة في قسد» جوّاً من الحسكة وإنزالها قرب التنف لمساعدة «أسود الشرقيّة» و«مغاوير الصحراء» في عملية ميدانيّة، غير أن الأصوات الرافضة للفكرة داخل «قسد» أفلحت في حسم الأمور وإلغاء الفكرة، ما انعكس دفعاً للعلاقة بين الحكومة السورية و«قسد» بإسهام مباشر من موسكو وطهران. كذلك، شكّلت التهديدات التركية مناسبةً لمزيد من التقارب بين الطرفين. وقبل انصرام حزيران الماضي، وصل إلى درجة غير مسبوقة التصعيد التركي والتلويح بشنّ اعتداء جديد على الأراضي السورية يطاول مناطق سيطرة «قسد» في ريف حلب الشمالي، وعلى وجه الخصوص منطقة عفرين التي تُشكل أحد الخزانات البشريّة لـ«وحدات حماية الشعب» الكرديّة (YPG). وقتها، أكّدت «قسد»، على لسان المتحدث الرسمي طلال سلو، أنّ الموقف يُعدّ «اختباراً لموسكو وجديّتها» في لجم أنقرة (راجع «الأخبار»، العدد 3211). وتؤكد معلومات «الأخبار» أنّ «ردّ معسكر دمشق وحلفائها جاء في صورة موقف حاسم وواضح وصل حدّ التهديد بردّ مفاجئ على أيّ اعتداء من هذا النوع». ووفقاً للمصادر، فإنّ دمشق وطهران قد تشاطرتا هذا الموقف، وتناغمت معهما موسكو التي تولّت نقل رسائل حازمة إلى أنقرة في هذا الشأن». وحرصت دمشق على منح الرسائل صفةً رسميّة عبر تدعيمها برسالة إلى مجلس الأمن في مطلع تموز، أكدت فيها أن «الاعتداءات العسكرية التركية في ريف حلب الشمالي تأتي فى سياق الدور التدميري الذي تضطلع به تركيا، ويجعلها شريكاً أساسياً للإرهاب الموجه ضد سوريا، بما يشكل تهديداً جدياً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي». ويبدو أن توتر ريف حلب الشمالي جاء بمثابة الدفعة الأخيرة في مسار التنسيق بين الجيش وحلفائه من جهة و«قسد» من جهة أخرى، وصولاً إلى التوافق على تشكيل غرفة عمليات مشتركة. يمتنع مصدران سوريان رسميّان تواصلت معهما «الأخبار» عن الإدلاء بأي تصريح في هذا الإطار. يؤكد أول المصدرين (وهو مصدر دبلوماسي رفيع) أنّ «الموقف الرسمي من الاعتداءات التركية على كل الأراضي السورية واضح ومُعلن، وأي قوات أجنبية موجودة على الأراضي السورية من دون تنسيق مع الحكومة هي قوات احتلال وستغادر حتماً». المصدر ذكّر في الوقت نفسه بتصريحات وزير الخارجية وليد المعلم (في أيار الماضي) حول الدور الذي يلعبه الأكراد السوريون في محاربة الإرهاب، ومشروعية معاركهم ضد «داعش»، وتأكيده أن هذه المعارك تأتي «في إطار حماية الوحدة الوطنية». بدوره، يشير المصدر السوري الثاني (وهو ميداني) إلى أنّ «الكشف عن أي تفصيل من هذا النوع يكون في الوقت المناسب وبصورة بيان رسمي إذا ارتأت القيادة ذلك. ما نستطيع تأكيده هو أننا ماضون في تحرير الأراضي السورية من الإرهاب، ومنفتحون على أي جهد صادق في هذا المضمار». وعلى نحو مماثل امتنع مصدرٌ قيادي في «قسد» عن التعليق على المعلومات، فيما تعذّر التواصل مع الناطق الرسمي باسم «قسد». بدوره، قال السياسي الكردي المقرّب من «وحدات الحماية» ريزان حدّو إنّ «الحوار بين الحكومة السورية والوحدات الكردية قطع أشواطاً متقدمة، وهذا انعكس إيجاباً على التنسيق العسكري على محاور عدة». وأضاف «نعم، يمكن التأكيد أن الأيام القليلة القادمة ستشهد خطوات عملية تهدف إلى تسريع وتيرة المعارك ضد العدو المشترك تنظيم داعش، وسنشهد تقدماً ملحوظاً في إطار طرد داعش من الرقة وفك الحصار عن المدنيين والجيش السوري في دير الزور كخطوة أولى يتبعها طرد داعش من دير الزور». حدو المواكب لتطورات عفرين على أرض الواقع أكّد أنّ موقف دمشق وحلفائها أدّى فعليّاً إلى لجم الأتراك، أقلّه في الوقت الراهن، وقال إن «بعض الأصوات كانت تشكّك في عز التصعيد التركي في قيام دمشق وحلفائها بالتدخل، لكن الوقائع أثبتت عكس ذلك». وأضاف «أوضح البراهين على فعالية دور دمشق وحلفائها والموقف الروسي هو عدم تجرّؤ الطائرات التركية على التدخل في معركة عين دقنة، بينما وللمفارقة كانت هذه الطائرات قد قصفت نقاطاً للوحدات في الجزيرة في نيسان الماضي، وتحديداً في جبل كراتشوك (شرق الفرات) حيث يحضر الأميركي!».

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى