أسرار الباصات الخضر
ناصر قنديل
– السرّ الأول أنّ الذين صعدوا إليها منسحبين من جبهات القتال كانوا قد كتبوا على جدران الأماكن التي قاتلوا فيها حتى انسحبوا، لن تمرّوا إلا على أجسادنا، وسنقاتل حتى آخر نقطة دم، ولكنهم كذبوا فعندما اشتدّت الحرب وحمي الوطيس والتحم الرجال بالرجال والرصاص بالرصاص، قرّروا الرحيل، وتذكّروا أنّ هناك مدنيّين، حتى حيث لا وجود لمدنيّين قرّروا الرحيل، فسقطت عقيدتهم وكذبتهم، وانكشفت حقيقتهم. وها نحن نذكّر جنود الجيش السوري كيف صمدوا تحت حصار قاتل واستشهدوا، لأنهم قرّروا أن يكونوا صادقين في مواقع لا يمكن عسكرياً حمايتها ولا الفوز في الحرب بها، لكننا نذكر أيضاً كيف أنّ التذرّع بالتفوّق الناري أو العددي لا يفسّر نتائج المواجهات في الحروب عندما تحضر العزائم. فالجيش الإسرائيلي بكلّ جبروته وقف عاجزاً عن التقدّم مئات الأمتار في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وأمامه بضع عشرات من المقاومين .
– السرّ الثاني هو أنّ كلّ الذين أنكروا وجود إرهاب في سورية يشكّل السمة العابرة للتشكيلات المسلحة التي قاتلت بوجه الدولة السورية وجيشها، ويتحدثون اليوم عن حرب على الإرهاب، هم منافقون، من الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون يومها إلى كلّ حلفائه، وصولاً للفريق اللبناني الذي أدمن الإنكار لكلّ شكل من وجود الإرهاب، وأصرّ على توصيف القتلة والسفاحين حتى يوم اختطاف الجنود اللبنانيين الذين نحتفل بعيد جيشهم اليوم، بأنهم «ثوار» ويمثّلون الشعب السوري، وطالب بعضهم بمنحهم ما يشبه ما حصلت عليه منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات، واستعمل وصف «النصرة لاند» كاستعارة لصيغة «فتح لاند» في العرقوب بجنوب لبنان، وهؤلاء ليسوا ولم يكونوا يوماً ولن يكونوا شركاء صادقين في حرب على الإرهاب، فهم أدمنوا مع الإنكار لعبة الاستثمار وبعضهم لم يخجل من القول يوماً إنه يريد سلاح الإرهاب لتوازن السلاح بين الطوائف، وبعضهم يقول اليوم إنه يريد حرب الجيش اللبناني على داعش ليس للخلاص من الإرهاب ولا انتصاراً للجيش وثقة به، بل لتوازن مشابه مع إنجاز حزب الله بوجه النصرة.
– السرّ الثالث أنّ العدد الذي فاق العشرة آلاف للراغبين بركوب الباصات رحيلاً إما أنه لعناصر النصرة ومسلحيها، وهذه فضيحة للنصرة وهيبتها العسكرية، فيكفي أن يكون منهم آلاف هزموا واستسلموا ليكون الحديث عن قوة تنظيم القاعدة كذبة كبيرة بعد حسم الساعات الذي أنجزه حزب الله، أو أنّ العدد المتضخّم هو للنازحين في المخيمات، ومرة ثانية إما أنّ هذا العدد هو لمناصري النصرة. وهذا يُسكت أصحاب أكذوبة الحديث عن بُعد إنساني خالص لمخيمات النازحين، التي يدّعي بعض اللبنانيين والمنظمات الأممية أنّ الجيش اللبناني وأجهزته الأمنية قد اعتدوا عليها ظلماً، وها هي تُخرج من بين خيمها الآلاف الذين يقرّرون الرحيل، حيث يرحل تنظيم القاعدة، وإما أنهم فعلاً نازحون سئموا حياة النزوح ويتوقون للعودة إلى بلدهم، وفي أيّ ظرف، فهو أفضل من ذلّ النزوح. وهذا يكشف أكذوبة رفض البحث بتنظيم عودة النازحين إلا عندما يُنجز الحلّ السياسي في سورية، ويسقط أكذوبة الحديث عن القلق على أمن العائدين وبعضهم سيعود إلى القلمون، حيث الجيش السوري وبرضاهم.
– كثيرة هي بعدُ الأسرار التي تحفظها الباصات الخضر، وستُدلي بها وقت الحاجة…