ما زالت حملة قمع اردوغان ضد شعبه مستمرة : تسفي برئيل
“أحيانا يكون الكتاب أكثر خطورة من القنبلة”، هذا ما قاله مؤخرا رئيس تركيا رجب طيب اردوغان. أحمد شيك، الصحافي والباحث الذي تتم محاكمته في هذه الاثناء، قام بتأليف كتاب كهذا بعنوان “جيش الامام”، حيث يصف فيه تدخل حركة فتح الله غولن، الخصم لاردوغان وعدو تركيا في جميع اجهزة الحكم، خاصة في الشرطة والقضاء. وحسب الكتاب فان 80 في المئة من الاشخاص الذين خدموا في الشرطة هم من الحركة ومؤيديها.
المشكلة هي أنه عندما صدر الكتاب في 2011 كان اردوغان وغولن صديقين. وكل ضرر كان يصيب غولن أو اردوغان كان يعتبر ضررا للنظام. وقد تمت مصادرة الكتاب، ومؤلفه احمد شيك ونديم سونار تم اعتقالهما بتهمة الاضرار بالنظام. ورغم مصادرة الكتاب، نشر الصحافيون اصدقاء شيك وسونار، الكتاب في الانترنت. في اليوم الاول من ظهور الكتاب تم تنزيله مئة ألف مرة، وخلال فترة قصيرة ارتفع عدد مرات التنزيل الى 200 ألف مرة. ومنذ ذلك الحين أصبح بالامكان شراءه في الامازون. وقد أثار الكتاب في حينه عاصفة كبيرة في تركيا، الامر الذي كشف عن العبثية التي تظهر أن اردوغان يعمل ضد الصحافيين ووسائل الاعلام.
بعد ذلك بعامين، عندما اندلعت المعركة الشرسة بين اردوغان وغولن والتي تستمر الى الآن، والتي في اطارها يريد اردوغان التضحية ليس فقط بحرية الصحافة، بل ايضا بعلاقة تركيا مع الاتحاد الاوروبي – فان كتاب شيك يعتبر جزء من الأدلة ضد حركة غولن. التفاصيل الكثيرة التي كشفت عن طريقة عمل حركة غولن وسيطرتها على جزء من وسائل الاعلام وتسللها الى جهاز التعليم وتأثيرها في الجيش، تؤكد على اتهامات اردوغان حول تدخل الحركة في محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في تموز 2016. ولكن بدل مدح شيك على هذه المعلومات، يتم اتهام هذا الصحافي الذي انتظر المحاكمة في المعتقل طوال سنة، بأنه عضو في الحركة التي تعتبر في تركيا منظمة ارهابية. واذا تمت ادانته فيتوقع أن يمكث سنوات طويلة في السجن. وقد يكون وجود الكثير من اصدقائه في السجن عزاء له، حيث أنه يوجد 150 صحافي ينتظرون محاكمتهم أو اصدار قرارات حكم، ومن بينهم 17 صحافيا من الصحيفة الهامة “جمهورية”، التي كتب فيها شيك.
هذه ليست المرة الاولى التي يتم فيها اعتقال شيك ومحاكمته. ولائحة الاتهام الحالية ليست الاولى في مسرحية الرعب في تركيا. في العام 1999 هاجم الجمهور الواسع شيك الى درجة دخوله الى المستشفى. وهذا بسبب كشفه عن الشرطة التي قتلت اثناء التعذيب زميله متين جكتفا. وقد كانت هذه ذروة العنف في سلوك الحكومة التركية.
اذا كان الحديث في السنوات الاخيرة يدور عن الملاحقة العنيفة للصحافيين، ففي الاعوام 1970 – 19990 قتل 49 صحافيا، اضافة الى مفكرين وخصوم سياسيين اختفوا. شيك الذي قام بنشر المقالات والكتب عن اعتداءات الجيش على حقوق الانسان، لا يمكن اتهامه بتأييده للجيش، لكن هذا الامر لم يمنع الحكومة من محاكمته في 2011 بسبب علاقته بقضية ارغانكون من العام 2007، حيث تم في حينه الكشف عن مؤامرة للجيش والمثقفين الكماليين لاحداث انقلاب واعادة السيطرة للجيش. وحسب الوثائق التي وجدت مع المخططين، كانوا ينوون القيام بعمليات استفزازية لاثبات أن الحكومة لا تستطيع السيطرة.
لقد تم اعتقال مئات الجنود في الجيش في اعقاب ما تم كشفه، لكنهم في غالبيتهم تحرروا بعد سنوات عندما تبين أنه لا علاقة لهم بالمؤامرة، التي يشك أصلا في وجودها. وقد تم اطلاق سراح شيك ايضا، لكنه بقي في قوائم الشرطة والاستخبارات كمشبوه. إن تقارب التواريخ بين الكشف عن قضية ارغانكون وبين نشر كتاب شيك عن غولن، انشأ بشكل طبيعي السياق الذي جعله يدخل الى السجن. كان واضحا للسلطات أن الكتاب تم اختلاقه من قبل من يعارضون النظام الذين أرادوا التشهير بحركة غولن، الذي كان في حينه شريكا لاردوغان.
إن محاولة ايجاد منطق للتطهير من قبل الجهاز القضائي في تركيا في وسائل الاعلام، ستفشل. لقد كف اردوغان منذ زمن عن تفسير خطواته وهو يرفض أي انتقاد له من منظمات حقوق الانسان أو الحكومات التي تطلب منه وقف عملية التطهير. وحسب اقواله، جميع الصحافيين تم اعتقالهم بسبب مخالفات أمنية وليس بسبب مهنتهم، ومن ضمنهم من يستخدمون تطبيق “بايلوك” من اجل توصيل الرسائل، وهو التطبيق الذي استخدمه نشطاء حركة غولن. وايضا من يلبس القميص الذي كتب عليه “بطل” قد يتم اعتقاله لأن هذا قد يرمز الى تأييد غولن، الذي يلقب بالبطل.
من الصعب علينا الآن رؤية من يستطيع وقف حملة القمع التي يقوم بها اردوغان ضد شعبه. وقليلة هي الدول الغربية المستعدة للدخول في صراع معه، والوحيدة حتى الآن هي المانيا والسويد. أما في الولايات المتحدة فيجلس رئيس يحسد رئيس تركيا.
هآرتس