التفوق الأخلاقي لحزب الله
غالب قنديل
ليس النقاء الوطني والتضحية والإيثار في خدمة الأهداف الوطنية السامية وحده نقطة القوة والحصانة الأخلاقية لحزب الله التي يؤكدها مؤخرا كثير من الأصدقاء ويقر بها معظم الخصوم بعد تحرير جرود عرسال من سيطرة عصابات القاعدة.
لقد نجح حزب الله بالتصرفات العملية وبالقرارات وبالسلوك الميداني وكذلك في مواقفه السياسية ان يؤكد حقيقته كقوة مقاومة مستعدة للتضحية في سبيل تحرير الأراضي اللبنانية والدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله ضد العدو الصهيوني ولردع هذا العدو ومنعه من تكرار اعتداءاته على الوطن كما رسخ الحزب صورته الفعلية كقوة منزهة عن الأغراض الذاتية السياسية او الطائفية أو المذهبية متفانية من أجل الصالح العام لا تبتغي مقابلا معنويا او ماديا او نفوذا اومكاسب لقاء ما تضحي به من اجل الوطن .
خلال ست سنوات من التهديد الإرهابي التكفيري للبنان ومن المحاولات المستميتة لإشعال الفتنة المذهبية في البلاد أثبت حزب الله ابتعاده عن الكيدية ورفض استدراجه لما يرفضه من ممارسات تؤذي الوحدة الوطنية وقاوم بالصبر وثقف جمهوره بذلك ليمنع الاستدراج إلى صدامات في الشارع وتعاون مع الريس نبيه بري وسائر الشركاء من القيادات الوطنية الحليفة وخصوصا العماد ميشال عون والرئيس سليم الحص وأركان اللقاء الوطني لتعميم ثقافة احتواء التوترات ومنع الفتنة وشدد من روابط التنسيق مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لمطاردة الإرهاب التكفيري ومنعه من الاستيطان في لبنان ومنع الحزب وحلفاؤه مباشرة أي هياج عنصري او مذهبي ردا على التفجيرات او على أعمال الخطف التي جرى إعدادها لإحراق لبنان وكما حصل بعد خطف الزوار اللبنانيين في أعزازتحرك الرئيس نبيه بري والسيد نصرالله بسرعة لتثبيت ثقافة الصبر لمنع الفتنة.
من صانع التحرير وحامي الاستقلال تنتقل صورة حزب الله في حصيلة السنوات المنصرمة من التهديد الإرهابي إلى إطار مكانة القوة الحامية للوطن من التكفير والتوحش والضامنة للاستقرار السياسي والأمني بالتعاون مع حلفائها الوطنيين وشركائها وكذلك بمد الجسور مع الخصوم من شركاء الوطن الذين لم يوفروا وسيلة استفزاز او تآمر او تحريض ضد المقاومة وحزبها ومن هنا كان الحوار الطويل مع تيار المستقبل تحت رعاية الرئيس بري وتجسد التفاهم الوثيق مع التيار الوطني الحر الذي عمدته الانتخابات الرئاسية في ادق اختبار لمصداقية الحزب وتفوقه الأخلاقي وتحمله لكلفة الوفاء والصدق كقيم أخلاقية تنأى عنها سلوكيات السياسة اللبنانية المعتادة.
الحزب القوي المحصن بحلف عريض وعابر للطوائف والمناطق والمدجج بقدرات هائلة يخشاها العدو ويعترف بها وبمعادلاتها الفاعلة يعض على جراحه في الداخل ويتساهل مع “شركاء” لبنانيين يستهدفونه وسبق لهم التآمر مرارا على المقاومة منذ انطلاقها متخطيا تلك المرارة برفعة الاحتواء لعدم التفريط بالسلم الأهلي وبالوفاق الوطني الهش رغم كل السلوكيات الاستفزازية والاستعلائية.
لم يكن اداء الحزب في جرود عرسال محصورا في التضحية النزيهة بشباب في ربيع أعمارهم لتحقيق هدف وطني هو تحرير أرض لبنانية محتلة تمهيدا لتسليمها إلى الجيش اللبناني وردها لسيادة الدولة كما فعل في التحرير الكبير عام 2000 عندما طردت المقاومة الاحتلال الصهيوني من الجنوب دون قيد أوشرط ويومها تجسدت حصانة الحزب الأخلاقية بمنع اعمال الثأر والانتقام من عملاء العدو الذين ارتكبوا جرائم ومجازر لا تحصى وخلافا لما دأبت عليه حركات المقاومة في دول أخرى من إعدامات ميدانية للعملاء بعد التحرير وهو ما يسجله مثلا إرث المقاومة الفرنسية التي أعدمت دفعة واحدة بعد تحرير باريس عشرات الآلاف في الشوارع.
بعض التفاصيل التي تضمنها خطاب السيد حسن نصرالله في مضمون التوجيهات القيادية للمقاومين في جرود عرسال تعكس حالة نادرة من السمو الأخلاقي والوطني وفيها يكمن بعض من سر هذا الحزب الذي ينتصر دائما ويمكن إيجاز أبرزها :
– تحاشي تعريض بلدة عرسال او ممتلكات أهلها لأي مكروه خلال المعارك ولو عن طريق الخطأ والتنسيق الصارم مع الجيش اللبناني لتحقيق هذا الهدف.
– الحرص الشديد على سلامة تجمعات النازحين السوريين وضمان سلامتهم بمن فيهم عائلات الإرهابيين الذين يحتلون الجرود.
– التعامل الراقي والإيجابي الذي ساعد على إخراج فريق مهم من المسلحين بضمانات أكدها السيد شخصيا في كلمته.
– ترك باب مفتوح للتفاهمات ومخاطبة قيادة القوة الإرهابية التكفيرية وحثها للتفاوض على مخرج يحقق غاية تحرير الجرود ويمنع هدر مزيد من الدماء.
– التعالي والابتعاد عن لغة التشفي السياسي بالخصوم والمخالفين من موقع تثبيت المصداقية التي عمدها الحزب بدماء وتضحيات عزيزة وغالية والاكتفاء بحصاد التفاعل الشعبي مع الحدث واعتبارالنتيجة رصيدا للجميع بدون استثناء.
– مراعاة الشركاء المتحاملين والذي قصروا في احترام التزاماتهم مع قيادة حزب الله امام الرئيس الأميركي الذي تفوه بكلام مسيء رفض السيد الغوص به تاركا للوفد اللبناني في واشنطن متابعة لقاءاته دون إحراجات متعهدا الرد على ترامب لاحقا.
– في الحصيلة ثمة رابح وخاسر في الموقف من عصابات التكفير التي هناك قوى لبنانية استحضرتها ودعمتها وقدمت لها التسهيلات والخدمات التي تقاضت اموالا لقاءها من السعودية ومن قطر لكن السيد نصرالله عامل هؤلاء بالرفق بعد الانتصار ليعينهم على هضم الخسارة المدوية لرهانهم على إسقاط سورية وعلى توريط لبنان في الحرب عليها وليساعدهم على قبول النتائج والمساكنة معها بدلا من إذلالهم بالنكاية ولإرواء غل مناصرين مخلصين من المناخ الوطني العام والمتحمسين للمقاومة ولقائدها ومن هنا رفض السيد أن تكون لخطابه وظيفة “فش الخلق ” فهو يعلي الصالح الوطني العام على جميع النزوات والحسابات الانفعالية لأنه يتصرف من موقع المسؤولية التاريخية عن شعب ومصير ودماء ويدرك مقدار التعقيدات والمخاطر في وطن كلبنان.