مقالات مختارة

خصوم حزب الله يريدون تدفيعه ثمن الانتصار ابراهيم ناصرالدين

 

بعيدا عن الانجاز الميداني في الجرود، اعجاز آخر غير مسبوق تحقق خلال الايام الماضية، فللمرة الاولى «خصوم» حزب الله وانصاره متفقون على ان الحزب حقق انتصارا ساحقا وبسرعة قياسية غير متوقعة على «جبهة النصرة». الفريق الثاني يستعد للاحتفال اما الفريق الاخر فبدا بالبحث عن كيفية تدفيع حزب الله ثمن هذا الانتصار، لانه ببساطة شديدة اخطأ مرة جديدة في حساباته وبدا العمل على تقليل الخسائر..

فما حصل في الجرود هو «المفاجأة» الرقم خمسة التي تخطىء في تقديرها الاجهزة الاستخبارتية الغربية بالتقاطع مع جهاز الاستخبارت الاسرائيلي وبعض الاجهزة الاستخباراتية العربية، وفي هذا السياق، تؤكد اوساط معنية بالعملية العسكرية في الجرود بان المرحلة المقبلة تحتاج الى متابعة دقيقة وحذر شديد، وقد رفع جهاز امن المقاومة بالتعاون مع بعض الاجهزة الامنية اللبنانية اجراءاته الاحترازية على الارض للحيلولة دون حصول اي خرق امني، لان ما يمكن ان تختاره تلك القوى «للانتقام» «مروحته» واسعة للغاية، تبدأ من تفعيل العقوبات المالية الاميركية على الحزب، وزيادة في منسوب «التشنج» السياسي الداخلي، وقد لا تنتهي بتسهيل عمليات ارهابية في مناطق تشكل بيئة حاضنة للمقاومة، او مناطق لبيئات اخرى ايدت العملية العسكرية في الجرود «لافهامها» ان حزب الله ليس الطرف المناسب لحمايتها. وفي هذا الاطار يمكن ايضا فهم «الحماسة» الاميركية وتشجيع السلطات اللبنانية على تكليف الجيش بمهمة تطهير ما تبقى من جرود من تنظيم «داعش»، فواشنطن «مستاءة» للغاية من «الحاضنة» الشعبية والتاييد الاعلامي العارم لحزب الله، وتريد تقليل الخسائر عبر تزخيم دور الجيش في مكافحة الارهاب..

وتعدد اوساط مقربة من حزب الله الخيبات الخمس للقوى المناهضة للحزب، فتشير الى ان المرة الاولى كانت في العام 2000 عند تحرير الاراضي اللبنانية وخروج الاسرائيليين دون قيد او شرط، كانت التقديرات يومها تجمع على ان سلاح حزب الله سيكون موضع نقاش جدي في الداخل اللبناني بمواكبة حملة خارجية ستفضي الى خروجه من المعادلة تحت عنوان انتهاء وظيفته «التحريرية»، عندها فوجىء كل هؤلاء بوجود استراتيجية «المسمار» التي انطلقت من خلالها قيادة حزب الله للتاكيد على الحاجة لبقاء هذا السلاح بسبب خطيئة مميتة ارتكبتها اسرائيل اثر عنادها واصرارها على ابقاء احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.. وبدا النقاش منذ ذلك الحين حول الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية وتم تكريس «ثلاثية» الشعب والجيش والمقاومة»، وحصل حينها الانهيار المدوي لكل التقارير الاتية من بيروت حول «الصدأ» الذي سيصيب سلاح المقاومة في المخازن التي ستذهب الى «التلف»..ومنذ تلك اللحظات بدات التحضيرات لكي تدفع المقاومة ثمن هزيمة اسرائيل، لانه لم يكن بالامكان السماح بتكريس سابقة تاريخية سيكون لها تداعيات كبيرة في المنطقة.

وهنا جاءت المفاجأة الثانية في حرب تموز 2006، في ذلك العام اعتبرت الدول الراعية لهذه الحرب ان الفرصة سانحة للقضاء على حزب الله، بعد ان توافرت ظروف نجاح المعركة، غطاء اقليمي وعربي شبه كامل، دعم وشراكة اميركية غير محدودة لاسرائيل، تواطؤ داخلي يصل الى حدود التآمر لتسهيل المهمة، سقف مفتوح للعمليات العسكرية دون اي ضوابط او «خطوط حمراء»، التقديرات الاسرائيلية والاميركية كانت تفترض انهيار منظومة حزب الله القتالية في ال48 ساعة الاولى من بدء العمليات العسكرية، لكنهم اكتشفوا ان ما كان يملكه حزب الله من «مفاجآت» تجاوز كل التقديرات والمعلومات المتوافرة لدى الاجهزة الاستخباراتية، الذهول كان حاضرا امام نجاح قيادة المقاومة في الحفاظ على منظومة «القيادة والسيطرة» حتى الدقائق الاخيرة من بدء سريان وقف النار، لم يذكر اي من تلك التقارير وجود صواريخ «الكورنيت» الروسية، او صواريخ «الارض – بحر الصينية» سقط الجميع في «فخ» التقديرات الخاطئة، ونجا حزب الله مرة جديدة.

مسار المفاجآت لم يتوقف عند هذه المرحلة، وكان سوء التقدير الثالث في العام 2008 عندما خالف حزب الله كل التوقعات، وتدخل عسكريا في بيروت والجبل ضمن استراتيجية «السلاح لحماية السلاح»، جلسة الحكومة التي بقيت الى ما بعد منتصف ليل الخامس من ايار، لم تتخذ قرارا بتفكيك «سلاح الاشارة» الخاص بالمقاومة الا بعد حصول اتصالات بين رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع صديقه جفري فلتمان، حيث اكد له الاخير ان التقارير بين يديه تفيد بان تحذيرات حزب الله مجرد تهديدات «فارغة» ولن يجرؤ الحزب على استخدام سلاحه في الداخل، وقد تولت السفارة الاميركية في بيروت نقل تحذيرات بهذا الخصوص الى كل الداعمين الاقليميين للحزب، ولذلك طلب فيلتمان السنيورة بان لا يتراجع…لكن في الساعات التالية حصلت المفاجأة المدوية وخالف حزب الله التوقعات «وحسم» مرة جديدة تلك المواجهة لصالحه في عملية امنية وعسكرية دقيقة للغاية، اجهضت ما خطط له، دون التسبب بحرب اهلية، او الدخول في مواجهة مع الجيش، مجبرا الحكومة على التراجع عن قراراتها، وغاب فيلتمان طوال تلك الساعات العصيبة عن السمع…

المفاجأة الرابعة كانت في العام 2012عندما قرر حزب الله الدخول عسكريا الى سوريا، وما اقر به قبل نحو ثلاثة اسابيع السفير الاميركي الاخير في دمشق روبرت فورد، واعترافه بان واشنطن لم تكن تتوقع ان يذهب مقاتلوا الحزب الى سوريا، يشكل اقرارا علنيا، لتقارير دبلوماسية «سرية» تحدثت  بشكل مفصل عن الامر، ومنها تقرير رفعته الاستخبارات الفرنسية في العام 2013 يشير بوضوح الى ان اكثر الامور «المذهلة» هي «مغامرة» قيادة حزب الله في ارسال مقاتلين الى سوريا لدعم النظام السوري. هذه الخطوة لم تكن ابدا في الحسبان لاسباب عديدة اهمها اولا،عدم وجود تناسب موضوعي بين حجم القوة المقاتلة للحزب والجغرافيا السورية. ثانيا، لم يكن متوقعا ان يغادر حزب الله مواقعه الحصينة في لبنان والذهاب الى مناطق مفتوحة تاركا «ظهره» مكشوفا لاسرائيل. ثالثا، المخاطرة كانت كبيرة بالتورط في حرب مذهبية قد تترك تداعياتها على الساحة اللبنانية. والاهم النقطة الرابعة المرتبطة بحسابات الربح والخسارة، فعندما قرر الحزب التدخل كان دعم النظام مغامرة محفوفة بالمخاطر لان كل الظروف كانت تشير الى قرب سقوطه…لكن ما لم ينتبه له هؤلاء، بحسب تلك الاوساط، ان قيادة المقاومة كانت قد حددت مسبقا النقاط الاستراتيجية التي يتيح لها تدخلها وقف الانهيار في دمشق، دون المس بالقدرة القتالية في مواجهة اسرائيل حيث بقيت قوات «عزيز» المخولة حماية الحدود الجنوبية في مواقعها…

واليوم جاءت معركة جرود عرسال لتشكل المفاجئة الخامسة لنفس القوى المحلية والخارجية التي ما برحت تخطىء في حساباتها مع حزب الله، فهذه المواجهة لم تكن «مفاجئة» ومهد لها حزب الله ميدانيا، واعلاميا، وسياسيا، واليوم يمكن فهم لماذا لم تشهد فترة التحضير للعملية اي اصوات اعتراضية «فاقعة» على الرغم من ادراك الجميع ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «لا يمزح» ولا يخاطر بمصداقيته، وهو عندما خرج للاعلان عن فرصة اخيرة قبل انطلاق التحرير كان يعني ما يقوله… فالرهان كان على غرق حزب الله في «مستنقع» الجرود، وخلال الاسبوع الذي سبق انطلاق العمليات العسكرية، سمع كل «اصدقاء» واشنطن في بيروت «نصائح» بعدم خلق مناخ اعلامي وسياسي ضاغط قد يؤدي الى تراجع الحزب عن تلك الخطوة، طبعا تلك التعليمات لم تكن في سياق دعم المقاومة، وانما لان التقديرات الاستخبارتية الاميركية والاقليمية كانت تجزم بان الحزب سيدخل في مواجهة طويلة الامد ستستنزف قواه العسكرية، وسيؤدي تراكم الخسائر الى نقمة في بيئته، وسيخرج مهزوما من معركة تنهي «اسطورته» التي بناها في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية…

لكن سرعة انهيار «جبهة النصرة» اصاب هذا الفريق «بالصدمة والذهول»، كل الاموال التي صرفت على «ابو مالك التلي» ومجموعته ذهبت «ادراج الرياح»، «التكتيكات» العسكرية على الارض وسرعة الحسم كانت غير متوقعة، حقق حزب الله انجازا على المستوى الوطني لم يكن في الحسبان، سقطت الجرود وسقطت معها كل الدعاية المناهضة التي خصصت لتشويه صورة الحزب عقب مشاركته في الحرب السورية، وشبه الاجماع الوطني اليوم على مواجهة الجرود لم يتحقق حتى في حرب تموز ضد اسرائيل، ومن هنا يمكن فهم محاولة كتلة المستقبل النيابية تقليل الخسائر عبر بيانات «فارغة» من اي مضمون سياسي جدي، فيما بدا البحث مرة جديدة عن خطوات لتدفيع حزب الله الثمن…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى