مقالات مختارة

هزيمة الغرور: بن كسبيت

«لا يوجد هنا حدث على الإطلاق»، قال المستشار القانوني للحكومة افيحاي مندلبليت لنتنياهو في النقاش المتوتر حول حصار سفارة إسرائيل في عمان. «هم ملزمون بإعادته. هو دبلوماسي، حصانته مطلقة. الأردن هو دولة مرتبة، تحترم القانون الدولي». في هذه الحالة، يعرف مندلبليت جيدا عما يتحدث. فهو احد الخبراء الكبار في العالم في القانون الدولي. هذه المعطيات لم تمنع رجال نتنياهو من خلق عرض عابث في أن الحارس انقذ في حملة بطولية، على شفا الهوة حقا. اما الواقع كما يتبين فقد كان مختلفا.

حسب هذا المنطق ايضا فإن صفقة «الحارس مقابل البوابات الالكترونية لم تكن على الإطلاق، او على الأقل لم يكن لها مبرر على الأرض. هنا، بات هذا معقدا جدا. لا يمكن ان نعرف ما الذي اتفق عليه نتنياهو مع الملك عبدالله ولعله كان مناسبا لرئيس الوزراء بالذات ان يخلق وضعا يطوي فيه البوابات الالكترونية كي ينقذ روح حارس في إسرائيل. فهذا افضل من أن يطويها هكذا.

في الكابنت كان التصويت لا لبس فيه: 3 ـ 9 ضد البوابات الالكترونية. فقط بينيت، شكيد والكين واصلوا التمسك بالتفتيش الالكتروني. ما رجح الكفة حسب مصادر شاركت في المداولات، كانت سيناريوهات الرعب التي وصفتها المخابرات والجيش لما يجري على الأرض. اضطرابات، عنف، انهيار دولي. «في الواقع، الميدان بالذات آخذ في الهدوء»، قال بعد ذلك احد الوزراء، «ولكن لم يكن ممكنا تجاهل ما يقوله رجال الامن».

الاكثر اذهالا هو أنه في مكتب رئيس الوزراء كانوا ينظمون ليلة اول أمس «صورة نصر» لمهزلة البوابات الالكترونية. «رئيس الوزراء يتحدث مع السفيرة في الأردن عينات شلاين»، كانت الكتابة على صورة الزعيم المغرور وهو يحمل سماعة الهاتف. بالفعل، هذه زعامة. الرجل يتحدث في الهاتف!

اما آخر الانباء التي تقول ان البوابات الالكترونية الشهيرة، رمز السيادة اليهودية الخالدة على جبل البيت او على اي جبل آخر كان، ستطوى بشرف وسيلقى بها إلى سلة مهملات الغرور، لم تنشر في ذاك البيان الصادر عن المكتب. فقد فضلوا ان ينشر العار بعد أن تغلق الصحف (وكأنه لا توجد انترنت). كما أن حقيقة ان حتى الكاميرات «الذكية» ستسير في ذات الطريق ستنزل عن منصتها، لم يذكروها. هكذا هو الحال عندما تكون الكاميرات اكثر ذكاء ممن قرروا نصبها.

كانت هذه هزيمة الوقاحة، التعالي، الغرور وسكرة القوة. تركنا الفلسطينيين والعالم الإسلامي يجرنا إلى ازقة لا مخرج معقول منها. وافقنا على الدخول إلى حرب رموز غبية، يتميز بها اعداؤنا بدلا من التركيز على الامر الاساس. نسينا أنه توجد قيود للقوة وانه يجب العمل بحكمة، بحساسية، في ظل معرفة الحقيقة وفهم القيود.

كل شيء يبدأ وينتهي في ذات الاعلان لذاك الزعيم على جناح الطائرة في منتهى السبت السابق، لدى خروجه، مسلحا بعقيلته، إلى رحلة اوروبية ما. «امرت بنصب بوابات الكترونية»، اعلن. لماذا؟ من طلب منك الاعلان؟ منذ متى تكون بوابات الكترونية هي تعليمات رئيس وزراء؟

ان مجرد حقيقة ان نتنياهو جعل «التعليمات» حدثا زعاميا، مثلما يطيب له ان يفعل، رفعت البوابات الالكترونية إلى المستوى الذي ارتفعت اليه. من اللحظة التي كانت فيها هذه تعليمات سلطوية مباشرة، فهذا هو هدف كل مسلم بصفته هذه. زعيم مغرور اقل، مدمن اقل لوقفة الزعامة العليلة كان سيقول للمفتش العام ان يقول للواء يورام هليفي ان يحل مشكلة الامان على جبل البيت. نقطة. ولو كانت الشرطة تنصب بوابات الكترونية دون تلك «التعليمات» المتبجحة، فقد يكون ممكنا ان يمر هذا بهدوء. واذا لم يكن يمر بهدوء، فإن الشرطة هي التي كانت ستتراجع عنه وتجد حلا ميدانيا آخر، وما كان لشيء ان يحصل. ما كان لهذا يصبح قصة كابنت، جدال على السياسة، على الزعامة، على التاريخ وعلى إلوهيم ضد الله.

الان عدنا إلى نقطة البداية، ولكن في وضع اسوأ بكثير، حيث ان البيضة العفنة مطلية لنا على الوجه، وكل المحيط يهزأ بنا في ضوء ما ثبت ككلمات فارغة وعليلة وسيادة هزيلة. آمل أن تكون تسيبي حوتوبيلي وميري ريغف راضيتان. على الفستان التالي للسيدة ريغف ستقام بوابات الكترونية ايضا. هكذا هو الحال عندما تحتل الاقوال مكان الافعال، والتصريحات الخرقاء تصبح خلاصة كل شيء.

نتنياهو لا يتعلم الدرس. هكذا بالضبط قرر «انزال» خالد مشعل على الاراضي الأردنية. هكذا بالضبط قرر فتح نفق المبكى. هكذا بالضبط لم يكرس انتباها لاسطول مرمرة رغم تحذيره. لم يجرِ قبله اي نقاش او تقدير ولم يستجب للمناشدات بعدم السفر إلى الخارج قبل وصول مرمرة. وحتى بعد أن فتح نفق المبكى بالمناسبة، سافر إلى الخارج. وهكذا بالضبط اعد الكابنت لتهديد الانفاق.

هذا هو طريق نتنياهو، كما أن هذا هو طريق اليمين. التبجح بدلا من افعال هادئة على الارض. لا شك عندي انه لو كان نتنياهو هو الذي وقف هناك في 1948 بدلا من دافيد بن غوريون، ما كان ليعلن عن اقامة الدولة. ومشروع التقسيم للامم المتحدة كان سيعلن عنه بصخب بأنه مس بسيادة الشعب اليهودي على وطنه، هذا مشروع مهين، هذه حدود ليست قابلة للدفاع، ونحن نطالب بمشروع افضل. هو كان سيتحدث، وتسيبي حوتوبيلي ورفاقها كانوا سيصفقون، والدولة ما كانت لتقوم.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى