طريق الملك: يوسي ميلمان
في ايلول/سبتمبر 1997 تورطت إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو في محاولة التصفية الفاشلة التي قام بها مقاتلو الموساد بحق خالد مشعل في الأردن. وبمرور نحو 20 سنة، تورطت إسرائيل مرة اخرى بقيادة نتنياهو في قضية امنية على اراضي الأردن. هذه المرة كان حارس السفارة الإسرائيلية، الذي طعن فأطلق النار وقتل شابا محليا .
تُشغل الحارس وحدة أمن وزارة الخارجية، التي تتلقى التوجيه المهني من جهاز الامن العام المخابرات. وعندها خرج إلى عمان، عاصمة الأردن، رئيس المواد داني ياتوم وكبير الموساد افرايم هليفي (اللذين في غضون وقت قصير سيبدلان المنصب) في محاولة لحل الازمة. اما امس فخرج رئيس المخابرات نداف ارغمان إلى الأردن في مهامة مشابهة.
قبل 20 سنة اعتقلت الشرطة الأردنية اثنين من مقاتلي الموساد ممن اغتالوا زعيم حماس، وفر اربعة آخرون ووجدوا ملجأ في السفارة الإسرائيلية في عمان. اما هذه المرة فلم يعتقل احد ولكن السلطات الأردنية طلبت التحقيق مع الحارس. اما إسرائيل فرفضت مدعية أنه يتمتع بحصانة دبلوماسية وان كان خبراء في القانون الدولي يدعون بأنه يمكن جباية شهادة من دبلوماسي وان لم يكن اعتقاله وتقديمه إلى المحاكمة. مثلما كان في حينه الان ايضا اثقلت الحادثة على العلاقات بين الدولتين. فإلى جانب كل اوجه الشبه بين الحادثتين، يوجد بالطبع اختلاف كبير بينهم. فقبل 20 سنة بادرت إسرائيل إلى عملية تصفية سرية على الاراضي الأردنية وعرضت بذلك للخطر علاقاتها مع المملكة الهاشمية. اما هذه المرة فلم تبادر إسرائيل إلى اي خطوة هجومية وسرية. والحارس عمل كي يدافع عن نفسه.
بضع عشرات من الدبلوماسيين الإسرائيليين، بدون عائلاتهم يسكنون، ينامون ويعملون في نطاق السفارة، التي تتضمن وحدات سكن ومكاتب. دخل عاملان وصاحب المبنى، طبيب في مهنته، إلى المجال الذي يؤجره في السفارة الإسرائيلية. وقد جاءا لتركيب اثاث اوصي به من محل في المدينة. واشرف الحارس على عملهما. واحد من العاملين شاب ابن 17، ابن صاحب محل الاثاث، هجم فجأة على الحارس وطعنه في مفك في ظهره. عمل الحارس بسرعة، امتشق مسدسه، اطلق النار على الشاب فقتله.
وحسب احدى الروايات، اصابت احدى الرصاصات التي اطلقت من مسدسه الطبيب الذي توفي متأثرا بجراحه.
ارسل رئيس المخابرات نداف ارغمان امس إلى السفارة في عمان ليحقق في الحدث بشكل شخصي. ولا بد أن فحص اذا كان الحارس اتخذ الاجراءات الصحيحة من ناحية عملياتية وكذا اذا كان بوسعه ان يحيد المعتدي بحيث ينتهي الحديث بشكل مختلف. تحرس السفارة شرطة الأردن ومخابراتها. وفور الحادثة استدعيت إلى المكان قوات امن اضافية، اغلقت المداخل والمخارج حماية لحياة الإسرائيليين. وبالتوازي استعدوا في السفارة لامكانية اخلاء كل الموظفين او بعضهم، وبالاساس الحارس، الامر الذي حصل امس بالفعل.
وكان الأردن اوضح قبل ذلك انه لن يسمح بخروج الحارس قبل أن يدلي بافادته وروايته. وكما أسلفنا، رفضت إسرائيل بدعوى أنه له حصانة دبلوماسية. اما الطلب الأردني فلا يستند فقط إلى نطاق فيينا الذي ينص على قواعد الحصانة الدبلوماسية، بل وينبع ايضا من الوضع الحساس الذي علقت فيه المملكة الهاشمية. وعلى خلفية احداث الاقصى، يمارس الجمهور ضغطا شديدا على المملكة – بما في ذلك المعارضة، ومن ضمنها الاخوان المسلمون ـ لقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد الدبلوماسيين الإسرائيليين من اراضيها. ومن اجل صد النقد وارضاء الجمهور، ملزم الملك عبدالله الثاني ومستشاروه بالعمل لحفظ سيادة الأردن والظهور بأنهم يحرصون على مواطنيهم.
الملك عبدالله هو حليف لإسرائيل. نظامه يقيم اتصالات امنية وعسكرية مع إسرائيل. وعليه فليست له مصلحة في تحطيم الاواني. في إسرائيل، بما في ذلك رئيس الوزراء نتنياهو، يفهمون الضائقة. ولكن المشكلة ليست فقط حادثة اطلاق النار. اذ يمكن استخدام المشكلة ايضا كحل لازمة اوسع تتعلق بالاقصى. من اجل حل قضية مشعل انقذت إسرائيل حياته إذ سلمت للأردن الاكسير المضاد، الذي اعاده إلى الحياة وحررت من السجن الشيخ احمد ياسين، مؤسس حماس. وهكذا ايضا هذه المرة ستوافق إسرائيل على ما يبدو على ازالة البوابات الالكترونية التي نصبتها في مداخل الحرم ـ الفعل الذي اثار العاصفة الحالية. ازالتها سترضي السلطة الفلسطينية والأردن ايضا، الذي له مكانة خاصة في مسجدي الاقصى وعمر. وهكذا يأتي إلى نهايته التوتر المتواصل منذ اكثر من اسبوعين، والذي بدأ بقتل الشرطيين من شرطة إسرائيل ومنذئذ جبى موت إسرائيليين، فلسطينيين وأردنيين آخرين.
معاريف