السعودية تعرض رأس جماعاتها السورية للبيع ودورها للإيجار
ناصر قنديل
– قبل سنوات كان الدور السعودي في سورية والسقف السعودي المرسوم للوضع في سورية يشكل محور رسم سياساتها وتوظيف إمكاناتها ترغيباً وترهيباً، فوصلت الرياض لوضع معايير علاقاتها الخارجية العربية والإقليمية والدولية على معيار أحادي يختصر بالإجابة عن سؤال: هل أنتم معنا وخطتنا لإسقاط سورية، أم مع الدولة السورية ورئيسها؟ ومَن ليس معنا فهو ضدنا. وهكذا دخلت السعودية في إغراءات لروسيا وصلت حدّ عرض استثمارات بمئة مليار دولار ومشتريات سلاح بمئة أخرى لتبدّل موقفها. ولما رفضت خاضت ضدها وضد إيران حرب أسعار في سوق النفط أوصلت السعودية لحافة الإفلاس، وكل شيء كان قابلاً للتعديل في السعودية لأجل الموقف من سورية، فواجهت مصر دفاعاً عن قطر يوم تدخل القطريون لمنع قرار أممي لصالح مصر في ليبيا، لأن قطر شريك في الحرب على سورية، وتصالحت مع الأخوان المسلمين وتعاونت مع تركيا رغم المنافسة على الأدوار، فقط لأن التعاون له عنوان هو الحرب لإسقاط سورية، والعلاقة بواشنطن نفسها عرفت أشد أزماتها يوم سحب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أساطيله صارفاً النظر عن الحرب على سورية، فوصل الحرد السعودي حدّ بيان رسمي ضد واشنطن والامتناع عن قبول مقعدها في مجلس الأمن .
– منذ العام 2015 والسعودية تفقد أوراقها تدريجياً وتضيق بها الأحوال، وتخسر هوامش المناورة والحركة. فقد غرقت منذ نيسان في ذلك العام في حرب ظنتها نزهة سريعة في اليمن. وها هي تنتصف سنتها الثالثة ولا تزال تغرق، مالياً وعسكرياً وسياسياً، وفي نهاية ذلك العام دخل الروس مباشرة على خط الحرب في سورية وبدأت التحولات الميدانية تنبئ بسقوط مشروع إمساك سورية والفوز بها. وكان بينهما الإعلان عن التفاهم النووي للغرب مع إيران، فدخلت الرياض على خط التسليم باستحالة الفوز مع إدارة الرئيس أوباما التي أنفقت العام 2016 على التوصل لتفاهم مع موسكو عرف بتفاهم كيري لافروف، وانصرفت الرياض للرهان على الانتخابات الرئاسية الأميركية متبنية ترشيح هيلاري كلينتون، لمواصلة الحرب على سورية، بعدما كشفت خطب دونالد ترامب المرشح نياته بالخروج منها، بينما كانت التطورات الميدانية تزيد الأدلة على تساقط أوراق الرهان على كسر سورية، وكانت معركة حلب الضربة القاضية، لكن كان ترامب قد صار رئيساً وبذلت الرياض كل ما لديها لكسبه لصفها وتوهمت أن ذلك قد تحقق، خصوصاً بعدما بذلت خمسمئة مليار دولار للاستثمارات والصفقات، لكنها بدلاً من الخروج من مستنقع اليمن وقعت في مستنقع ثانٍ هو الأزمة مع قطر، وها هي تفشل في الفوز بها.
– واشنطن تبدو قد عادت للسياسة مع موسكو وذهبت بعيداً في التفاهمات، ولم تعد بحاجة للرياض التي كانت العنوان الضروري للحرب على سورية، ولا تصلح كعنوان للتفاهم مع موسكو، فمصر أكثر تأهيلاً ويمكن أن تعوّض الغياب السعودي، وإسقاط سورية لم يعد هدفاً قابلاً للتحقيق وفق القراءة الأميركية، وعنوان الحرب على داعش يشكل بديلاً مقبولاً للتموضع الأميركي، بينما السعودية تحتاج واشنطن في حربها على اليمن وأزمتها مع قطر، كما في مشاكلها المالية والنفطية. وتيقن السعوديون أن لا طاقة لهم على تخديم الحروب الثلاثة معاً، اليمن وسورية وقطر، وحيث لا قدرة على تحمل كلفة إنهاء حرب اليمن سريعاً وبطريقة لا تحمل هزيمة واضحة، وقد صارت أولوية السعودية اليوم هي الفوز بحرب قطر. فحرب الأشقاء الأقربين هي الأشد ضراوة، التي تحتل أولوية الفوز بها، فصارت الرياض لأجلها تعرض دورها في سورية للإيجار، مقابل مواقف مساندة أو لتحييد مواقف مخالفة والقضية هي الأزمة مع قطر، وما يجري مع مصر وتركيا في سورية من الجانب السعودي علامة واضحة على ذلك، خذوا دورنا في سورية وتعاونوا معنا بخصوص قطر، حتى حرب حزب الله في عرسال بالنظرة السعودية هي حرب على مجموعة محسوبة على قطر، فلا مشكلة بتعاون الجيش اللبناني فيها ولا بتغاضي الحكومة اللبنانية عن خوضها، ولو تخلّف المؤيدون عن فهم التحول والتبدل، وظلوا يتحدثون بلغة الماضي أملاً بكسب الرضى. وجيش الإسلام في الغوطة يصير ورقة تفاوض مع موسكو، والعنوان قطر. وقريباً يصير تفكيك هيئة تفاوض الرياض لمقايضة مع إيران أو موسكو والعنوان قطر، وربما ما لم يدرك بعض اللبنانيين المسحوبين على السعودية الحقيقة بسرعة يلتحق مصيرهم السعودي بمصير الجماعات السورية السعودية.