سلاح الليزر ميدان المنافسة المقبل د.منذر سليمان
استشعرت الولايات المتحدة “خطورة” التغيرات الدولية في العقد الاخير، وعكفت على ادخال تعديلات جوهرية على استراتيجياتها العسكرية في شن الحروب، في اعقاب خسارتها مركز التفوق التقني بلا منازع بعدما نجحت دول عديدة في تطوير ترسانتها من الطائرات المسيّرة – الدرونز، على سبيل المثال. ومن بين الترتيبات الاستراتيجية معالجة سيناريوهين حربيين “لاختبار مدى فعالية الفرضيات” العسكرية “ليس في غياب نشوب حرب فحسب، بل للتعديلات المرتقبة في موازين القوى الدولية،” احدهما امتد لعام 2015 والآخر لعام 2025، انطلاقا من “التهديد الماثل أمام استعراض القوة الاميركية والذي ينمو بسرعة مقلقة في المناطق الحساسة،” كما ورد تقرير اعده معهد راند لحساب البنتاغون، على مرحلتين، نُشر الجزء الثاني منه مطلع العام الجاري .
اما مصادر “التهديدات فهي الصين وروسيا وايران .. في كلي السيناريوهين.” من بين الاسلحة المستقبلية اشترط القادة العسكريون الاميركيون تطوير سلاح “يمكنه كشف وتدمير سرب من طائرات الدرونز،” حسبما جاء في وثيقة للجيش الاميركي عام 2015. وتم الكشف ايضاً عن برنامج مشترك بين واشنطن وتل أبيب، مطلع عام 2014، لتطوير سلاح الليزر بغرض “اسقاط طائرات الدرونز .. والصواريخ بأنواعها” بكلفة زهيدة، لا سيما وان اسقاط الاجسام المعادية بالسلاح التقليدي المتفجر يعاني من صعوبات تقنية وميدانية.
مزايا تقنية متفوقة
أشعة الليزر، المسلطة كوميض او حزمٍ مكثّفة، وجدت طريقها مبكراً لدخول ترسانات أسلحة الدول المتقدمة، وامتداداً هناك خشية من العواصم العالمية الكبرى أن تصبح التقنية في متناول ليس دول معادية فحسب، بل مجموعات وتشكيلات مسلحة ما دون الجيوش النظامية، وما يعتبره الخبراء أحد أهم التحديات للتوصل الى معاهدة دولية للحد من انتشار سلاح او أسلحة الليزر.
البحرية الاميركية ادخلت سلاح الليزر كمضاد للسفن والزوارق الحربية السريعة في الخدمة الفعلية، العام الجاري، وتزويد قطعها البحرية بها؛ واستضافت قيادة الاسطول الخامس في الخليج وفداً صحافياَ أميركياً على متن سفينة النقل يو أس أس بونس لمشاهدة عمل سلاحها الليزر يصطاد جسماً طائراً ويحيله الى كتلة من اللهب تهوي في مياه الخليج. “العملية تمت بصمت وبعيدة عن الرؤيا.” وعلق القبطان بأن الاصابة كانت “أكثر دقة من الطلقة.”واستدرك بالقول “ان الليزر لا يشكل نظام تسليح خاص كالأسلحة الأخرى المتوفرة في الترسانة المضادة للاجسام الطائرة .. بل في هذه الحالة أتاح لنا النظر بمروحة اوسع من الاستخدامات المتعددة، ويمكن توظيفه ضد أهداف عدة.”
التطورات المتسارعة في التقنية والعلوم أسهمت في استخراج ألياف ضوئية توفر طاقة ذاتية أعلى مما كان متوفراً، دخلت تقنية الليزر دون الاستناد الى مركبات كيميائية سُميّة كما هو متداول راهنا في أشعة الليزر الكيميائية التي تُطلق عليها الأطقم العسكرية “ليزر الكاوبوي” للدلالة على طاقتها العالية.
من أبرز خصائص أشعة الليزر، كسلاح، انها تسير بسرعة فائقة تصل لمعدل 300 مرة أسرع من الضوء، وفق التجارب العلمية التي جرت في جامعة برينستون عام 2000. بل باستطاعة الوميض التحرك بسرعات متعددة لخاصيته كشعاع ضوئي يتكون من موجات بأطوال متعددة. تبلغ سرعة الضوء نحو 300 مليون متر في الثانية. بالمقابل، عند مقارنة سرعة الليزر بسرعة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يتبين ان الاولى أسرع بمعدل 50،000 مرة.
تجدر الاشارة الى الميزة العالية والنوعية لسلاح الليزر عند مقارنته بالاسلحة النووية، إذ يتمثل الأول بدقة التصويب على الهدف وعدم تعريض البيئة المحيطة، من البنيان والانسان، للضرر. اما الاسلحة النووية فإن الاضرار التدميرية، على البيئة والبشر، تفوق أدق التوقعات فضلا عن بقائها في التربة لعشرات السنين.
اوضح ضابط خبير بأسلحة الليزر للوفد الصحفي الاميركي، كيل هيوز، ان شعاع الليزر “يعفينا من تأثره بالرياح او حسابات للمدى الاقصى. باستطاعتنا تصويبه نحو الاهداف بسرعة الضوء.” اما كلفته فتبلغ “نحو دولار واحد لكل استخدام.”
“ليزر الكابوي،” تم ابتكاره من غاز فلوريد الدوتيريوم (غاز الهيدروجين الثقيل)، طول موجته تتراوح بين 3.6 الى 4.2 مايكرومتر. اثناء الاطلاق يتصاعد غاز الإثيلين من مركب فلوريد النيتروجين الثلاثي، والذي يتم مزجه بغازي الدوتيريوم والهيليوم لينتج عنه غاز فلوريد الدوتيريوم المستثار أو النشط. ثم تجري عملية تغذيته في فوهات عبوات شبيهة بالليزر الكيميائي.
الغاز العادم الناتج عن هذا التفاعل الكيميائي ضار وخطر على الانسان، مما يستدعي توفير نظم عادمة متطورة مهمتها امتصاص وتحييد الغاز الجديد عالي التآكل.
سباق الليزر
دخول أشعة الليزر في التطبيقات العسكرية، والتي تشاهد في ترسانات الدول المتقدمة راهناً، لن يتم بفعالية قبل ثلاث سنوات. قادة عسكريون كباراً في البنتاغون يرجحون دخول السلاح للخدمة الفعلية “بين عامي 2020 و 2023 .. في كل من الصين واسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا.”
البرنامج المشترك لاميركا و”اسرائيل” في تطويع الليزر كسلاح يندرج ضمن البرنامج الاميركي الشهير “الليزر التكتيكية ذات الطاقة العالية – ذيل THEL،” أُطلق عليه “الشعاع الحديدي.” وينكب الطرفان على تطوير أسلحة تعمل بالليزر لاسقاط طائرات الدرونز، باستخدام “الليزر عالي الطاقة المتنقل؛” فضلاً عن نظم أسلحة الليزر على متن السفن ”لوز – LaWS” .من ناحية المبدأ، ووفق ما يتوفر من بيانات علمية، تم تصميم واعداد نظام “ذيل” للتصدي للصواريخ قصيرة المدى، كالكاتيوشا، وقذائف المدفعية والهاون وطائرات تحلق على علوٍ منخفض.تمكن نظام “ذيل،” وفق البيانات الاميركية، من اسقاط 28 صاروخ كاتيوشا، عامي 2001 و 2002، بكلفة 600 دولار لكل طلقة.
عُهد لشركة “رافائيل الاسرائيلية” تطوير عدة أنظمة لإطلاق “حزم الليزر” باستطاعتها تدمير أهداف ثابتة أو متحركة، براً وبحراً وجواً. عرضت الشركة ثلاثة نماذج في معارض للأسلحة العسكرية، 2014 و 2015، ابرزها وفق الخبراء العسكريين كان نظاماً “لتدمير طائرات الدرونز باستخدام حزم الليزر.” يتراوح مدى فعالية النظام بين 4 الى 7 كيلومتر؛ ومن المتوقع دخوله الخدمة الفعلية “رسميا عام 2023.”
ولوج الصين حقل التطوير وتنمية قدراتها العسكرية بسرعة متنامية يثير مخاوف القيادات الاميركية، السياسية والعسكرية، على السواء. ويعتقد بعضهم ان أحدث انتاجاتها في مجال الليزر، الصياد الصامت، لديه طاقة حرارية عالية تكفي لاختراق معدن العربات المدرعة بتصميماتها المتعددة، وعن بعد كيلومتر واحد.
ولعل بؤرة القلق الاميركي من الصين هو تجاربها، الناجحة الى مدى مقبول، في حقل الليزر المضاد وإصابة نظم الليزر المنطلقة “بالعمى عن طريق استخدام الدخان؛” وكذلك لتجاربها في التصدي واصطياد الاقمار الاصطناعية.
يذكر ان منظومة “الأسلحة الذكية” الأميركية تتميز بدقة عالية وتعتمد بشكلٍ رئيس على بيانات الأقمار الإصطناعية العسكرية؛ وإذا ما استطاعت الصين شل تلك الأقمار فإن الولايات المتحدة لا تفقد تفوقها الميداني فحسب، بل ستصيبها في مقتل. فالاقمار، كتقنية تستخدم للأغراض العسكرية، معرضة للإختراق والإصابة والتلف “خاصة تلك التي تدور في فلك جيو- ثابت تحمل على متنها هوائيات مصنعة من أسلاك رفيعة” يسلط عليها شعاع حراري بسيط لمدة زمنية لا تتعدى دقائق معدودة.
على الطرف المقابل، يؤكد رئيس قسم التطوير “السري” في شركة لوكهيد للأسلحة، بوب روزسكوسكي، أن تقدما متسارعاً تم تحقيقه في مجال الليزر “وباستطاعتنا تطوير أجهزة متناهية الصغر ذات طاقة عالية تنَصّب على السيارات والسفن والطائرات .. نقف على أعتاب رؤية دخول الليزر في النظم المستقبلية.”
اما زميله في شعبة الليزر ونظم الاستشعار في الشركة المذكورة، روبرت أفضل، أشار أيضاً إلى “نجاح التجارب للجمع بين عدد كبير من ألياف الليزر ووصلها بنظام تسليحي .. وثبت أنها لا تحتاج لمولد طاقة كبير الحجم او نظام تبريد.”
وأضاف أخصائيو الشركة المذكورة أنه تم اختبار نظام ليزر تسليحي، عام 2015، بنجاح وكان منصوباً على متن طائرة نقل من طراز سي-130، استطاع احداث فجوة في سطح مركبة عن بعد ميلٍ واحد. وزعم كبار الأخصائيين أن تلك التجربة كانت “أكبر تجربة فعالة على شعاع ليزر عالي الطاقة، على الاطلاق.”
استاذ التاريخ العسكري والعلاقات الدولية الفخري في جامعة بوسطن، انجيلو كوديفيلا، اعرب عن شكوكه بفعالية نظام “ذيل” لاستخدامه في الفضاء الخارجي، كما ترغب البنتاغون. وأوضح في مقال له، نيسان 2017، أنه على افتراض التغلب على العقبات التقنية الراهنة، فإن الناتج سيكون عبارة عن “سلاح بقوة ميغاوات واحدة، يزن نحو 6،800 كلغم من شأنه التصدي للصين وحرمانها من السيطرة في الفضاء الخارجي.”
تحديات تقنية
من بين العقبات التي يواجهها العلماء في سعيهم لتطويع تقنية الليزر لأغراض عسكرية ظاهرة “التزهر،” التي تنتج عن احتكاك الشعاع المشبع بالطاقة مع الجو، مما ينشر ويبدد الطاقة الى ذرات الهواء القريبة. ويجري التغلب عليها، موضعياً، بإطلاق حُزم شعاعية متواصلة ضد الهدف. بيد ان فعالية تلك الحُزم تتأثر سلباً وتَحُد من حجم الضرر الذي ينبغي على الشعاع بلوغه.
كما أن الشعاع الليزري قابل للإمتصاص من عناصر جوية: الغبار، المياه، البخار، السحب، الضباب، الثلوج، او الأمطار. وعليه، تقتصر القوة القصوى لليزر على العمل في أجواء صافية.
من بين الخيارات المتاحة للتغلب على تلك العقبات نصب الليزر على قمر إصطناعي ومن ثم يتم تصويبه نحو صاروخ باليستي خلال مرحلة تحليقه في الفضاء الخارجي. الأمر الذي يتطلب توفر نظام ليزري صغير الحجم ومصدر طاقة متنقل لاستمرار فعاليته.
في خانة العقبات تظهر أيضا مهمة تعقب الشعاع إذ يتعين على نظام التعقب الأخذ بعين الاعتبار حركة تذبذب العربة المنصوب عليها، وكذلك لقوة الشعاع وطول المدة الزمنية خلال التصويب على الهدف، اضافة لعامل الهواء الساخن نسبياً في تبديد انتشار الشعاع. طائرات الدرونز منخفضة الكلفة يمكن التغلب عليها بالليزر المنصوب على متن السفن، اما الأهداف الأكبر حجماً كصواريخ سكود والعربات المدرعة فهي تشكل تحدياً إضافياً.
وفي خانة العقبات عينها تظهر القدرة على برمجة الليزر كي يستهدف الاجزاء الأضعف تحصيناً وتماسكاً في الصواريخ او العربات. عند التحليق في المدى المتوسط او المرحلة النهائية لصاروخ سكود، عند استهداف الجزء السفلي من الصاروخ ومحركه لن تكون الإصابة مميتة كما لو كان الشعاع مصوباً نحو الرأس الحربي؛ فالمحرك حينئذ تنتهي مهمته ويدخل مرحلة الاغلاق، وجهاز التحكم أيضا يدخل مرحلة الاغلاق.
شعاع الليزر المنصوب على قمر اصطناعي، بالمقارنة، ينبغي أن يحقق إصابة مباشرة في الرأس الحربي يؤدي لتفجيره، أو على الأقل إحداث ضرر بجسم الصاروخ يخرجه عن مساره المعد ويحترق عند العودة.
عند نصب الشعاع على متن جسم طائر في العمليات الحربية فإنه من غير المؤكد أن يُحدث إصابة قاتلة في جسم العربات المدرعة جيداً؛ بل باستطاعته تصويب شحنته القاتلة نحو عربات أخف تدريعاً كتلك التي تحمل معدات الاتصالات وقيادة الميدان.
من بين التطبيقات الليزرية ضد العربات جيدة التدريع استهداف المعدات البصرية المنصوبة على الهيكل الخارجي للدبابات؛ فالمعاهدات الدولية السارية تحول دون استخدام أشعة الليزر في إصابة القوات بالعمى. هوائيات الراديو المنصوبة عرضة للتذويب بأشعة الليزر، وكذلك استهداف أسلحة وذخيرة محمولة كصواريخ “تاو” منصوبة على الهيكل الخارجي.
الجيل الجديد من المتفجرات بإمكانه تعطيل عربة مدرعة بفعالية ربما تفوق فعالية شعاع الليزر، عند الأخذ بعين الاعتبار ظروف المعركة وحالة الطقس وسرعة الرياح التي بمجموعها تؤثر على الشعاع وغير قادرة على تقويض عبوة التفجير.
وعليه، من غير الصواب أن تصبح أشعة الليزر سلاحاً فعالاً في كافة الأحوال الجوية في المدى المنظور.إذن، مستقبل أشعة الليزر في التطبيقات العسكرية يكمن في أجواء صافية تخلو من الرياح والغبار والعناصر الأخرى سالفة الذكر، ويصبح الفضاء الخارجي ميدانها المفضل.