تراجعات ترامب امام إيران
غالب قنديل
الاعتراف الأميركي الرسمي بتنفيذ إيران لجميع التزاماتها في الاتفاق النووي الذي وقعته مع المجموعة الدولية يأتي بعد تقارير وإعلانات تضمنت اعترافات واضحة بهذه الحقيقة من وكالة الطاقة النووية الدولية وفي حصيلة اختبارات القوة التي خاضتها الولايات المتحدة في مجابهة التوازنات الدولية والإقليمية المتحولة ولاسيما في سورية حيث تقوم إيران بدور نشط وهام في دعم جهود الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة ضد عصابات الإرهاب التكفيري التي دعمتها الولايات المتحدة ودول الغرب ومجموعة المحور الخليجي التركي قبل تفجرها وانفلاقها مؤخرا إلى شطرين متصارعين بنتيجة ما سمي بالأزمة القطرية.
أولا الخط البياني لمواقف إدارة دونالد ترامب من إيران هو خط متراجع بكل وضوح وتثبت التراجعات حصانة وقوة إيران في التوازنات الدولية والإقليمية المتغيرة وتجدر ملاحظة أن الرئيس الأميركي انطلق في حملته الانتخابية بشعار ” تمزيق الاتفاق النووي ” وقد انتهت الدراسات القانونية والاستراتيجية التي أجرتها جهات متعددة في المؤسسة الحاكمة الأميركية بناء على طلب الرئيس الأميركي بعد انتخابه عدم واقعية هذا الشعار وضرورة الإقلاع عنه.
حفلت النقاشات الأميركية حول شعار ترامب منذ إعلان ترشيحه بتقليب الاحتمالات والخيارات في الموقف من الاتفاق النووي الذي تحول إلى معاهدة دولية تم تصديقها أمميا ولم يعد الانسحاب الأميركي منها كافيا لإلغائها في حين ان الإلغاء كما بينت مراكز التخطيط الأميركية يحرر طهران من قيود والتزامات وردت في نصوص الاتفاق وبالتالي هو ما سيطلق العنان لتطوير القدرات النووية الإيرانية المدنية وربما العسكرية أيضا كما هي حال التحدي الكوري الشمالي الذي يرغم واشنطن على سلوك طرق الاحتواء السياسي بالتفاهم مع موسكو وبكين.
ثانيا الموقف الأميركي التصعيدي ضد إيران لم يكن بعيدا أبدا عن درجة الارتباط والتأثر باللوبي الصهيوني وتوجهاته الذي أظهرته الإدارة الجديدة منذ تشكلها ولذلك انتظر الرئيس الأميركي قدوم بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض ليعلنا معا الموقف الشهير المشترك : “التمسك بتطبيق الاتفاق النووي بحذافيره” وهو ما شكل الانقلاب الكبير على ما سبق لهما التعهد به لإلغاء الاتفاق.
لم تجد إدارة ترامب بديلا عن العودة إلى سياسة أوباما بعد توقيع الاتفاق النووي من خلال السعي لتصعيد العقوبات ضد إيران بذريعة جديدة تتعلق بصناعة الصواريخ الباليستية والزوارق الحربية السريعة التي تقلق الكيان الصهيوني بصورة خاصة وهي تعتبر قدرة عسكرية رادعة متاحة الوصول إلى الترسانة العسكرية السورية وهو ما يرفع حسب التقديرات الصهيونية احتمالات انتقالها إلى المقاومة اللبنانية والفلسطينية ما يجعل خطرها كبيرا على الكيان في أي حرب مقبلة.
ثالثا يقدم ترامب مواقفه التصعيدية ضد إيران بحرص شديد على تبني الهواجس الصهيونية ويبيع مواقفه للمملكة السعودية وتبقى عينه على مساومات اقتصادية ومالية محتملة مع إيران نفسها رغم كل الضجيج وهو ما ألمح إليه في تصريحات سابقة كمرشح للرئاسة عندما سأل في حملته ضد الاتفاق : ماذا قدمت لنا إيران مقابل الاتفاق النووي؟.
يعكس كلام ترامب حول السياسة الخارجية أجواء مجمع الأعمال والشركات الأميركية الكبرى وتطلعاتها لفرص الاستثمار في إيران وقد حصدت شركة بوينغ لصناعة الطائرات أولى الصفقات المتاحة بينما يتطلع وزير الخارجية ريكس تليرسون قطب النفط الشهير إلى حصة من سوق واعدة لتطوير صناعة النفط والغاز الإيرانية سبقت الأميركيين إليها شركة توتال الفرنسية مؤخرا بعقد كان محظورا عليها السير به بقرار أميركي في السنوات الماضية.
رابعا رضخ الرئيس الأميركي وشريكه نتنياهو أخيرا لحقيقة حتمية التعايش مع الاتفاق بينما تثبت إيران مصداقيتها الدولية باعتراف خبراء وكالة الطاقة الدولية الموثق في التقارير الرسمية الصادرة تباعا وهو ما عمده اعتراف البيان الأميركي الرسمي الأخير رغم العربدة المستمرة في ملف صناعة الصواريخ الإيرانية.
لقد فشل الرهان الأميركي على محاصرة إيران في الخليج بشاهد تفاعلات الأزمة القطرية التي تظهر انهيار الرهان الأميركي على شرخ مذهبي كبير في المنطقة والعالم الإسلامي يتيح خنق إيران وبالمقابل تأكد العجز الأميركي عن إضعاف التحالف القائم بين إيران وكل من روسيا والصين وهو ما يكرس لهذه الدولة الصاعدة مكانة متزايدة التأثير والفاعلية في معادلات المنطقة والعالم ومن الواضح انها تزداد حصانة ضد خرافات واوهام القدرة على استهدافها والنيل منها بفعل ما طورته من علاقات وشراكات وبما تمتلكه من قدرات مستقلة اقتصاديا وعسكريا وبفعل مناعتها الداخلية رغم جميع محاولات الاختراق والتخريب التي لم تنقطع.