الإبحار في أعقاب المال : اليكس فيشمان
إن احدى الزوايا المثيرة للفضول وربما ايضا الأخطر في قضية الغواصات هي الاقرار الإسرائيلي الذي صدر لألمانيا لبيع غواصات متطورة لمصر ايضا. فقد ادهش هذا الإقرار رجال جهاز الامن في الحاضر وفي الماضي لأنهم يعرفون بأنه على مدى سنوات طويلة عارضت إسرائيل بشكل قاطع الصفقات التي في اطارها تتلقى مصر اسلحة متطورة تشبه تلك التي تشتريها إسرائيل .
في الاسبوع الماضي، عندما انكشفت القضية المصرية، سارع متحدثون مختلفون إلى القول بأن الاقرار الإسرائيلي صدر منذ عهد ايهود باراك كوزير دفاع وبناء على رأيه. اما اليوم فإننا نكشف النقاب عن انه كانت صفقتان ألمانيتان مع مصر في فترتين مختلفتين.
الصفقة الأولى: في 2009 عندما كان مبارك لا يزال رئيسا، طلبت مصر شراء غواصتين من حوض سفن تسنكروف. واستجاب وزير الدفاع في حينه باراك ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للطلب المصري السماح بشراء الغواصات، شريطة أن تكون اقل تطورا من الغواصات الإسرائيلية.
في اعقاب اسقاط مبارك في 2011 وصعود رجل الاخوان المسلمين مرسي إلى الحكم، توجه نتنياهو وباراك إلى السلطات الألمانية بطلب الغاء الصفقة. وقال الالمان انه في هذه المرحلة لا توجد امكانية لالغائها، ووصلت الغواصتان إلى مصر في 2016.
الصفقة الثانية: في النصف الثاني من العام 2014، عندما بات يحكم مصر الرئيس السيسي الذي يجري حوارا جيدا مع إسرائيل، طلب المصريون شراء أربع غواصات من النماذج الاكثر تطورا وسفينتين مضادتين للغواصات. وزير الدفاع، بوغي يعلون، ورؤساء الاقسام ذات الصلة في جهاز الامن لم يشركوا في المداولات حول الطلب المصري.
في ذات الوقت دخلت مصر في عملية متسارعة لبناء قوة بحرية استثنائية في حجمها ونوعها لم يتطابق على الاطلاق مع القدرة الاقتصادية او الاحتياجات الاستراتيجية الموضوعية لديها.
وفي السنوات الاخيرة اشترى المصريون حاملتي مروحيات، سفن انطلاق متطورة، ويوشكون على أن يستكملوا في المستقبل القريب بناء احد الاساطيل الاحدث والاكبر في الساحة.
واكتشفت وزارة الدفاع صفقة الغواصات الجديدة بين ألمانيا ومصر بالصدفة تماما، وحين علمت القصة، رفعوا في جهاز الامن حواجبهم. وعندما توجه وزير الدفاع إلى رئيس الوزراء نتنياهو في محاولة للاستيضاح اذا كان هناك بالفعل اقرار إسرائيلي، نفى نتنياهو ذلك.
من اصدر الأمر؟
في بداية 2015 تلقى عاموس جلعاد من نظيره الألماني مؤشرا آخر على أن الصفقة المصرية هي بناء على رأي حكومة إسرائيل. فلما لم يستطع وزير الدفاع الحصول على اقرار بذلك من رئيس الوزراء، قرر جهاز الامن الطلب من جهة إسرائيلية اخرى ـ كانت توشك على السفر إلى ألمانيا ـ استيضاح المسألة.
في ايار/مايو 2015، عقد لقاء عمل في برلين بين تلك الشخصية الإسرائيلية رفيعة المستوى وبين محفل رفيع المستوى في ألمانيا. طلب الإسرائيلي الاستيضاح لماذا يبيع الألمان سلاحا متطورا لمصر، بخلاف الاتفاقات مع إسرائيل. ولشدة الحرج، فإن المسؤول الألماني، الذي لم يفهم لماذا ولاي سبب ينزلون باللائمة على حكومته فحص على الفور الموضوع ـ وعرض على محادثه المنذهل ادلة بأن مصدرا إسرائيليا رسميا أقر البيع للمصريين. وتضمنت الصفقة بيع أربع غواصات متطورة وسفينتين مضادرة للغواصات لمصر.
عاد المحفل الإسرائيلي إلى البلاد وأكد وزير الدفاع موشيه يعلون بأن شبهاته صحيحة: حكومة إسرائيل، رغم كل محاولات النفي في حينه واليوم، وافقت على سحب اعتراضها على صفقة الغواصات والسفن الألمانية ـ المصرية.
سيروا في اعقاب المال: في نهاية 2014، بالتوازي مع الصفقة المتحققة بين ألمانيا ومصر، اعلنت حكومة ألمانيا بأنها مستعدة لان تدعم حكوميا صفقة مع إسرائيل تتضمن أربع سفن لحراسة طوافات الغاز. مبلغ الدعم هو نحو ثلث حجم الصفقة ـ 127 مليون يورو. والشرط هو الغاء العطاء الدولي لتلك السفن ونقل العمل إلى حوض سفن تسنكروف بلا عطاء.
ونشر في «يديعوت احرونوت» امس بأن العطاء الاصلي كان معدا لأن يجري بين ثلاثة احواض سفن في كوريا الجنوبية وذلك لأن السفن التي تبنيها تسنكروف كبيرة وغالية جدا (1.800 طن) بينما كانت إسرائيل بحاجة إلى سفن 1.200 طن.
ولكن في اعقاب الدعم الحكومي الألماني عاد حوض سفن تسنكروف إلى الصورة ـ والغي العطاء في كوريا. أما سلاح البحرية من جهته فيسعده ان يحصل بدلا من سفينة الصواريخ الكورية السريعة، سفينة حربية اكبر بالضعف من سفينة الصواريخ المتطورة التي لديه اليوم ـ «ساعر 5» ـ وبالتالي فقد أيد مسؤولو السلاح الصفقة.
وبالمناسبة، رغم التخفيض الألماني للسعر، كانت هذه السفن اغلى مما كان مخططا له. فقد كشف رئيس مديرية المشتريات والانتاج في وزارة الدفاع شموئيل تسوكر هذا الاسبوع بأن سلاح البحرية تجاوز الميزانية التي قررتها وزارة المالية. وستكون صيانة هذه السفن اغلى بكثير من السفن الاصغر (الكورية).
لا يمكن استبعاد امكانية ان تكون هناك علاقة بين التغيير في موقف الالمان من بيع السفن المدعومة حكوميا لسلاح البحرية وبين موافقة حكومة إسرائيل على الصفقة المصرية، التي ادخلت لحوض السفن الألماني اكثر من ملياري يورو.
الصفقة الثلاثية: إسرائيل تقر لألمانيا بيع غواصات متطورة لمصر وبالمقابل تتلقى من ألمانيا تخفيضا هاما للسعر في صفقة شراء الادوات البحرية لطوافات الغاز. وهكذا يكون الجميع ـ باستثناء امن الدولة ـ يكسبون: الألمان، الذين تلقوا عقدا دسما مع مصر ومع إسرائيل، الوكلاء الإسرائيليون الذين يعملون مع احواض السفن الألمانية وسبق لهم ان رأوا بأن المكسب يذهب إلى الوكلاء الذين يعملون مع الكوريين، وحتى سلاح البحرية الذي حصل على سفن اغلى واكبر (رغم انه لا حاجة حقيقية لها). في هذه المسألة ضمن امور اخرى، سيكون للشاهد الملكي الجديد ميكي غانور، ممثل تسنكروف في إسرائيل، الكثير مما يرويه لمحققيه في الشرطة.
وسيتعين على المحققين ان يفحصوا المسائل التالية: ما العلاقة بين القرار الاستراتيجي غير المسبوق للسماح ببيع غواصات متطورة لمصر (خلافا للغواصات الاقل تطورا التي اقرت في الصفقة الاولى) وبين القرار لشراء السفن من ذات حوض السفن الألماني. وهل حقا تعهد الالمان بالدعم الحكومي لسفن الحراسة جاء مقابل موافقة إسرائيلية على ان تبيع ألمانيا غواصات متطورة لمصر؟
في اعقاب التقرير الذي نشر عن قضية الغواصات يوم الجمعة، افاد المحامي رفائيل رابيلي باسم المحامي اسحق مولكو: «المحامي مولكو لم يعالج ولا يعالج اي جانب يتعلق بموضوع الغواصات، ولم يتلقَ ابدا أي تعليمات من رئيس الوزراء او اي جهة اخرى في هذا الشأن. ما نشر وقيل هو كاذب عديم الاساس.
يديعوت