فضيحة لبنانية مستمرة
غالب قنديل
يتحول مضمون التوافق السياسي داخل السلطة اللبنانية إلى نموذج سوريالي لصيغ المساكنة الإكراهية منذ اثني عشر عاما بين تيارين كبيرين يختلفان على معظم القضايا والعناوين الكبرى وهما ملزمان بالعمل على إنتاج القرارات المشتركة عند حدود التفاهمات الممكنة والحؤول المتواصل دون انفجار الصيغة الهشة للائتلاف الحكومي .
تحت هذا السقف تتحول قضايا الاختلاف إلى مساومات تفاوضية وهو ما يصل بيسر إلى نتائج إيجابية في كل ما يتعلق بتقاسم النفوذ والمحاصصة في السلطة الأمر الذي يرسم صورة لتحالفات تخالف أحيانا الاصطفاف الكبير وما فيه من انقسام وصراع حول الشؤون الاستراتيجية والمصيرية كمثل الموقف من المقاومة والعلاقة بسورية والقتال ضد عصابات التكفير الإرهابية والتصدي للعقوبات الأميركية ضد المقاومة وشركائها وداعميها في مجابهة العدو.
التفاهمات التي تتناول العقود والتلزيمات والتعيينات تكسر الاصطفاف والتخندق الكبير تماما كما هي حسابات التحالفات الانتخابية في العقل السياسي اللبناني التقليدي المصدوم بالانتقال إلى النسبية التي يتعامل معها بوهم الإلغائية الممكنة للخصوم التي ورثها من عهد النظام الأكثري الذي حكم قوانين الانتخاب منذ عام 1943.
أما في الشان المصيري فتستمر الهجمات السياسية والإعلامية ضد حزب الله من مواقع في الائتلاف الحكومي ويتم تجاهل دوره الوطني في حماية البلد بينما يتولى هذا الحزب مسؤولياته المتجددة في الدفاع عن الوطن ضد العدو الصهيوني وضد التهديد الإرهابي التكفيري الذي استحضره الغرب بقيادة الولايات المتحدة ورعته الحكومات الإقليمية التابعة لتدمير الدول والمجتمعات ومنها لبنان.
هكذا تقوم المعادلة الخبيثة التي تسمى توافقا على حصاد ثمار تضحيات المقاومة بتوفير الأمن وتحصين الاستقرار ويجري التنكر لجهودها بل والتآمر عليها وتسهيل محاصرتها بالعقوبات الأميركية لمنعها من زيادة وزنها الشعبي والسياسي في الداخل اللبناني بما يتناسب وحجمها الإقليمي المتعاظم.
ببساطة وخلافا لأي منطق طبيعي يقوم حزب الله بهذا الدور وينسق مع الجيش العربي السوري من المقلب السوري للجرود الشرقية لتحريرها من عصابتي داعش وجبهة النصرة بينما يمنع على الجيش اللبناني بالفيتو الأميركي السعودي ان ينسق مع الجيش الشقيق ويمنع على الحكومة وأي من وزرائها بقرار من رئيسها الاتصال بالنظير السوري حتى في ملفات مشتركة وحتى عندما يطلب لبنان شراء الطاقة الكهربائية او تسهيل تصدير منتجاته الزراعية إلى سورية وغدا إلى العراق بعد فتح الطريق البري الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه وفي طليعتهم حزب الله .
يحصر مستوى الاتصال الحكومي بمراسلات وزارية محدودة واحيانا باتصالات للمدراء مع نظرائهم السوريين تبقى في طي الكتمان او تمر من خلال أمين عام المجلس الأعلى الذي يريد بعض قادة تحالف 14 آذار إلغاءه وقد نجحوا في شله وتهميشه منذ سنوات.
الصورة السوريالية تسطع بقوة هذه الأيام فالطيران الحربي السوري يدك معاقل الإرهاب في الجرود بينما تستمر الحملات اللبنانية على الدولة السورية ومعها يستمر التحريض العنصري ضد الرعايا السوريين الذي استغلهم فريق 14 آذار سياسيا وتاجر بأوجاعهم ماليا وسياسيا بدعم أميركي غربي خليجي ثم توعد بالانتقام منهم عندما اقترعوا في سفارتهم للرئيس بشار الأسد.
الاستغلال الانتهازي لتضحيات المقاومة ودماء شبابها بات منظومة تفكير وعمل عند فريق لبناني كبير يرتبط بالغرب وبالولايات المتحدة وهوما يثير أسئلة كثيرة وشائكة لا تكفي في التعامل معها كل الحقائق والتبريرات المرتبطة بتعقيدات التركيبة الطائفية اللبنانية والنظام اللبناني الطائفي المتخلف والمعوق ذاتيا عن تشكيل دولة وطنية وهوية وطنية بدلا من كونفدرالية مزارع النفوذ وعقلية التقاسم البشعة والارتهان للأجنبي ولتعليمات القناصل.
من المفارقات المثيرة ان يستعد المقاومون والضباط والجنود اللبنانيون والسوريون لبذل أرواحهم في مهمة تحرير أرض لبنانية من احتلال عصابات الإرهاب بغطاء من سلاح الجو السوري وبمشاركة مدفعية الجيش العربي السوري وبالتنسيق مع وحداته البرية المقاتلة من الداخل السوري بينما تستمر عمليات الردح التحريضية بالتطاول على هذ القوى الثلاث الشريفة التي تدافع عن السيادة اللبنانية في تلك البقاع : الجيش اللبناني والمقاومة والجيش العربي السوري.
من يرتكب هذه الجريمة التي وصفها قانون العقوبات اللبناني بانها ” اساءة لمعنويات الأمة في زمن الحرب ” هم نواب ووزراء من حزب رئيس الحكومة اللبنانية وحلفائه الأقربين من بقايا 14 آذار وبالطبع لا يستغرب اللبنانيون المشهد فقد تعودوا عليه وأدمنوه مرضيا حتى سقطت مناعاتهم من زمن بعيد فهو ما كان في حرب تموز 2006 وقبلها بصورة أشد فضائحية منذ الاحتلال الصهيوني عام 1982 هذه ليست مفارقة بل فضيحة لبنانية مشينة ومتواصلة.