سورية : “اللعبة انتهت “
غالب قنديل
هذه العبارة ليست لأحد من أنصار الدولة السورية ومحازبيها ولا هي وردت في تصريح لأحد من المسؤولين السوريين بل هي الخلاصة التي انتهى إليها السفير الأميركي السابق روبرت فورد الذي لعب دورا هاما في تخطيط العدوان على سورية من مكتبه في دمشق ثم شغل موقعا مهما في إدارة العدوان بعد مغادرته للعاصمة السورية بقرار من إدارة اوباما.
تصريحات روبرت فورد وردت أواخر الشهر الماضي في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية عرض خلاله ما يمكن اعتباره شهادة سياسية مهمة لأحد أبرز محركي ومخططي قيادة العدوان على سورية منذ عام 2011 ومن غير شك فقد أسهم فورد بشكل كبير في تنظيم وإدارة مجموعة من الشبكات والواجهات والعملاء في منصات سياسية وإعلامية تم تجنيدها في خطة تفجير سورية وهذا الحشد من عملاء وجواسيس الغرب قدرته جهات مطلعة بأكثر من ألف وخمسمئة شخص بينهم شخصيات سياسية وإعلامية وموظفون في الدولة تم اصطيادهم في برامج التعاون والتدريب المشتركة مع الدولة السورية وبشكل خاص عبر برامج المساعدة والتعاون الأوروبية ومن خلال الخطط الأميركية العلنية والسرية لتكوين مجموعات عمل ليبرالية تحت يافطات الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان وكذلك بواسطة تنظيم الأخوان المسلمين وواجهاته الاجتماعية والثقافية والدينية وفروعه المتشعبة في سورية.
يعترف السفير الأميركي السابق بخيبة جميع الحسابات والرهانات والخطط الأميركية لإسقاط الدولة السورية والنيل من مكانة الرئيس بشار الأسد وهو يعترف كذلك بأن الجيش العربي السوري كسرمع حلفائه على الأرض ومن الجو جميع الخطوط الحمراء الافتراضية التي رسمها الأميركيون وآخرها المعارك الهامة والناجحة التي يخوضها في ريفي دمشق وحلب والبادية وريف الرقة وانتشاره على الحدود العراقية ويسجل فورد اعترافا حاسما بنجاح الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد في ترسيخ صورة المعركة على انها مواجهة بين سورية وعصابات الإرهاب بعد تهاوي اليافطات السياسية التي سبق للولايات المتحدة ان حاولت عبرها تقديم صورة زائفة لتمرد شعبي مزعوم يطالب بالديمقراطية.
على جري المنطق الاستعماري الأميركي يتجاهل فورد في تفسير خيبة المخطط الأميركي وجود كتلة شعبية قوية وصلبة متزايدة الاتساع التفت حول الدولة والجيش والرئيس في معركة استقلال وطني وسيادة نجح الرئيس بشار الأسد في تقديم صورتها لمواطنيه انطلاقا من دعواته الصادقة للإصلاح والتغيير السياسي قبل سنوات من العدوان وهرب فورد من هذه الحقيقة ليجتر ذريعة المساندة الكبيرة التي تلقتها سورية من إيران وروسيا وحزب الله وبعض الفصائل العراقية.
الحقيقة ان أي ترصيد مقارن للدعم الذي تلقته سورية من حلفائها وما جندته الولايات المتحدة ومحورها الدولي والإقليمي المشارك في العدوان يظهر اختلالا كبيرا لصالح القدرات والإمكانات البشرية والمادية والاستخباراتية والعسكرية والإعلامية التي سخرت في خطة ضرب سورية بقيادة اميركية مع ملاحظة جوهرية هي الفارق الزمني بين مساري حشد العدوان وانتقال حلفاء سورية إلى الانخراط الجدي المباشر إلى جانبها في ملحمة الدفاع وهو يعتبر متأخرا بفارق سنتين بالنسبة لإيران وحزب الله واكثر من أربع سنوات بالنسبة لروسيا وهذه الفجوة الزمنية تحملتها سورية دولة وجيشا وشعبا بلحمها الحي منفردة وبقدراتها الخاصة في مجابهة جيوش الإرهابيين والمرتزقة متعددي الجنسيات والتي قدر عديدها بمئات الآلاف وقادتها غرف العمليات من عمان واسطنبول بالإمرة الأميركية المباشرة وبمؤازرة صهيونية ميدانية.
روبرت فورد المشارك في جميع فصول العدوان على سورية اوجز الموقف بالقول : اللعبة انتهت متوقعا خروجا اميركيا ذليلا من سورية كما جرى في لبنان عام 1983 محذرا القيادات الكردية من خطر تصديق الوعود الأميركية ساخرا من وهم الحماية الأميركية لأي من القوى المرتبطة بواشنطن على الأرض السورية في وجه زحف الجيش العربي السوري وحلفائه وامام توازن القوى ومفاجآت الميدان التي خرقت جميع التقديرات والتوقعات وأسقطت خرائط التقسيم وما بني عليها.
ليس تقدير بنيامين نتنياهو بعيدا عن رؤية روبرت فورد وفقا لما ورد في تعليقه على اتفاق ترامب – بوتين حول تجميد القتال في الجبهة الجنوبية الغربية فقد توقع ان ينتشر الجيش العربي السوري على الأرض ويكتسح مواقع العصابات التي تسهم تل أبيب في دعمها وتشغيلها منذ سنوات مشبها الوضع بما جرى في الجنوب اللبناني بعد صدور القرار 1701 عام 2006.
اللعبة انتهت والتحولات الجارية تبشر بالخاتمة التي قد لاتكون وشيكة جدا لكنها تقترب واقعيا ومن الواضح ان مسار الأحداث السياسية والعسكرية المتلاحقة سيقود إليها وهوما لخصه روبرت فورد بعبارة : لقد انتصر الرئيس الأسد.