مقالات مختارة

ما بعد الموصل محمد نور الدين

 

في وقت تُحاصر فيه الرقة وتعمل قوات الحماية الكردية مدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على تحريرها من تنظيم «داعش» كانت مدينة الموصل تحتفل بتحريرها على يد الجيش العراقي من عناصر هذا التنظيم الإرهابي .

ولا شك في أن تحرير الموصل يفوق بأهميته التحرير المرتقب للرقة بل تحرير العديد من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة هذا التنظيم.

ذلك أن الموصل كانت أكبر مدينة بيد التنظيم سواء في سوريا أو العراق. كما أن للموصل أهمية حيوية بالغة للعراق. فهي المدينة الثانية بعد بغداد. وتحتل موقعاً حيوياً في المعادلة المحلية كما في المعادلة الإقليمية لقربها من المثلث الجغرافي السوري – العراقي – التركي.

تحرير الموصل وجّه ضربة قوية للغاية لتنظيم «داعش» وكل التنظيمات المشابهة له. فمن هذه المدينة العربية الأصيلة أعلن أبو بكر البغدادي «الخلافة المزعومة». وسقوطها يعني رمزياً وعملياً سقوط هذا الإعلان. بل إن مصير البغدادي نفسه غير معروف بعدما قالت روسيا إنها قد تكون قتلته في غارة جوية قرب الرقة في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي. أي أن «الخلافة» ذهبت بذهاب عاصمتها وبمقتل زعيمها.

طبعاً هذا لا يعني انتهاء هذا التنظيم أو النهج الذي يعتمده. وهذا هو بيت القصيد الآن في مرحلة ما بعد تحرير الموصل. فالجميع يتذكر تنظيم «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن. ومن ثم الفروع التي خرجت من رحمه في العراق بقيادة أبي مصعب الزرقاوي ومن بعد ذلك ظهرت تنظيمات مختلفة تبنت فكر «القاعدة» ومنها تنظيما «داعش» و«النصرة».

وهذه التنظيمات لا تنطلق من فراغ بل إنها صنيعة أكثر من عامل.

أولها أن القوى الاستعمارية الخارجية لا تزال تستثمر هذا النوع من الكيانات لاستخدامها في معاركها ضد دول أخرى إما لإضعافها أو الضغط عليها أو تفتيتها، وفي النهاية عندما تنتهي وظيفة هذه التنظيمات يصار إلى التخلص منها وتأسيس أخرى مشابهة لها بأسماء جديدة وبعناوين مختلفة، لكن الهدف يبقى واحداً وهو إبقاء العرب والمسلمين في وضع التقاتل والتناحر. ومع أن هذه التنظيمات قامت بعمليات في الدول الغربية غير أن المسرح الأساسي للعمليات هو العالم العربي والإسلامي. وما جرى ولا يزال في مصر والعراق وسوريا وليبيا وتونس والجزائر والصومال واليمن أمثلة دامغة على هذا التوظيف.

ومن العوامل التي ساهمت في انتشار هذه التنظيمات هي البيئات الحاضنة التي تتراوح بين الخطاب الديني والمذهبي المتطرف من كل الجهات، فضلاً عن العوامل الاقتصادية من فقر وجوع، كما التخلف الثقافي، إضافة إلى التمييز بين المواطنين وعمليات النهب والفساد؛ بحيث لا يجد الشبان مخرجاً ليعيشوا ولو بالحد الأدنى سوى الانضمام إلى هذه التنظيمات التي توفر لهم بعض المال والعمل.

إن المسألة الأهم بعد الموصل كما بعد أي موصل أخرى هو كيف نتلافى تعميق الشرخ والكراهية والانقسام بين مكونات المجتمع. وفي رأس هذه القائمة إرساء العدالة الاجتماعية بتوفير مقومات الحياة الكريمة من عمل وتعليم وسكن وطبابة واحترام للهوية. بحيث لا يلجأ المواطن إلى الهجرة أو إلى التنظيمات المتطرفة بل يظهر انتماءه الصادق للوطن. وفي المعالجات إرساء مواطنية كاملة بمعزل عن الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي أو اللون أو الجنس. وهو ما يجعل الدولة لكل المواطنين دون شعور بالغبن والتهميش. وفي هذا السياق وضع سياسة إعلامية غير تحريضية وخارج أي خطاب فتنوي.

بطبيعة الحال إن هذه التصورات كبيرة جداً وعالية السقف وتحتاج إلى وقت طويل لتكتمل، هذا إذا ابتدأت. والتجارب الحديثة كما السابقة عبر التاريخ عكست الأزمة المستفحلة التي تواجهها المجتمعات العربية والمسلمة والتي ترسخت مع إحداث ما يسمى بالربيع العربي.

ومسؤولية النخب الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية عالية وكاملة ومطلقة عن الخروج من المستنقع الحالي فهم المطالبون بالأفكار والحلول وهم المسؤولون أمام التاريخ.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى