مقالات مختارة

عن القوة والطمع: ناحوم برنياع

 

يقضي تقرير مراقب الدولة أمس نهائيا على القول المريح جدا، «لن يكون شيء لأنه لم يكن شيء». فقد كان شيء وهو موجود. فما حصل في وزارة الاتصالات في السنوات التي كانت فيها الوزارة العزبة الخاصة لنتنياهو يمكن ان نسميه «ملف 4000». لم يوصِ المراقب صراحة بفتح تحقيق جنائي، ولكن توصيفه الدقيق لا يترك مساحة واسعة للمستشار القانوني للحكومة. كل قضية على حده، وكلها معا، متراكمة، تنز عنها رائحة شديدة من الفساد. فالقوة مفسدة، قال اللواء أكتون؛ الزمن مفسد ايضا. الكثير من القوة على مدى زمن طويل جدا يفسد اضعافا .

لملف الغواصات ولملف بيزك توجد عدة مزايا وعدة ابطال مشتركين. الميزة الابرز هي الطمع.

عندما شغر منصب وزير الاتصالات، في نهاية 2014، أصر نتنياهو على أن يأخذ المنصب لنفسه. وأثار الاصرار عجبا لدى كل من يفهم في المجال: فوزارة الاتصالات مخصصة لان تكون واضعة لانظمة ادارية، فنية وتجارية، وليست وزارة سياسية ولا مكتب صحافة. وعليه، فإن اللجان التي بحثت في شأنها أوصت المرة تلو الاخرى على الغائها، واقامة سلطة بدلا منها. أما ايداع وزارة كهذه في يدي رئيس وزراء فهو كالسماح للقط بأن يغرق في القشدة.

عجب آخر تعلق بدور مقربي عائلة لنتنياهو، دافيد شمرون واسحق مولكو، صاحبي مكتب محامين مشترك.

شمرون هو المحامي الخاص لنتنياهو وممثله في كل مفاوضات سياسية؛ مولكو هو مبعوثه السياسي. وتباهى مكتب الرجلين في صفحته على الانترنت، بوقاحة لا بأس بها بأنه هو «أحد المكاتب الرائدة في البلاد في مجال قوانين الاتصالات».

عندما يدير محاميان في نفس الوقت تجارة المملكة وتجارتهم الخاصة فالخطيئة تربض على الأبواب. وعندما يدور الحديث عن قرارات بالمليارات ودور مباشر من جانب رئيس الوزراء، فإن الخطيئة تصرخ إلى السماء. لقد كشفت النقاب عن المكانة المزدوجة للرجلين في مقاطع عديدة تضمنتها مقالاتي في «يديعوت احرونوت». اما نتنياهو فخرج، على عادته، بوابل من الاتهامات ضد الصحيفة. واصيب المستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين بالخوف. خمسة اشهر استغرق فينشتاين للتوصل مع المحامين إلى تسوية لمنع تضارب المصالح. وكتبت اقول: «هذه تسوية شوهاء». ومثلما يتبين من تحقيق المراقب، لم تكن هذه التسوية جديرة حتى بالورق الذي كتبت عليه.

ان ضعف حماة الحمى هو سيف ذو حدين. فقد مس ضعف فينشتاين في نهاية المطاف بأولئك الذين سعى إلى إرضائهم، في هذه الحالة نتنياهو ومحاميه شمرون. فقد اعتقدوا بأن كل شيء مباح، وكل شيء مسوغ. فينشتاين كان نقطة غرورهم.

ان احدى المشاكل التي ينطوي عليها جعل محامين خاصين ممثلين ومقربين من رئيس وزراء هي الصورة التي تنشأ لهم في السوق. فقد سار المحامي شمرون في مكاتب الحكومة كالملك في مستنقعه. هالة رئيس الوزراء سارت امامه. ورأى رجال الاعمال بأن هذا خير وسعوا لبوابته. هذا القرب، هذه الهالة، تساوي مالا كثيرا، اكثر بكثير من الشيكل الرمزي الذي تدفعه الدولة للمحامي مولكو مقابل خدماته.

شمرون وزارة الاتصالات هو شمرون قضية الغواصات. فإذا كانت التحقيقات في قضية بيزك تتعلق بالقرارات التجارية لأصحاب الشركة وحيالها بتنظيمات ادارة غريبة من جانب وزارة الاتصالات، ففي قضية الغواصات تتعلق التحقيقات بدور اللواء مروم، الوكيل غانور والمحامي شمرون في الدفع إلى الامام بخطوات امنية مشكوك فيها. الشبهات خطيرة، والتفسيرات عرجاء.

في قضية بيزك يؤدي شخص آخر دورا هاما. شلومو (مومو) فلبر عينه نتنياهو مديرا عاما للوزارة.

أنا أعرفه من عمله في مجلس «يشع» للمستوطنين. فقد كان رجلا تنفيذيا ناجعا، نقيا من التزمت الكاسح لبعض من زملائه. عندما اطلعت على القرارات الغريبة التي وقع عليها، في حملة الليكود، وفي وزارة الاتصالات، طلبت اللقاء به لسماع روايته. فرفض بكياسة.

ان الاحساس في صناعة الاتصالات كان ان فلبر يعمل من أجل ألوفيتش. سلسلة من القرارات، وعلى رأسها الرسالة العاجلة التي اطلقها فلبر إلى بيزك من خلف ظهر مسؤولي الوزارة، الرسالة التي كان يفترض بها ان تغني الشركة بمئات الملايين، ادخلت السوق في صدمة. اما ماذا كان دافعه فليس واضحا، حتى بعد تقرير المراقب. والتفسير الذي اعطاه في حينه قال بايجاز ان الدولة تسمح لالوفيتش بأن يغنى انطلاقا من الافتراض بأن المال الذي سيكسبه سيستثمر في تطوير شبكات الاتصال. وكما أوضح المراقب، هذا لم يحصل. اما الثمن فدفعه الجمهور.

لقد اعتزم نتنياهو استغلال ولايته في وزارة الاتصالات كي يحدث تغييرا في نقطتين. الاولى، ان يزيد عدد قنوات التلفزيون في إسرائيل لدرجة الا يكون لأي منها والقدرة على تغطية الاخبار وجمع النفوذ؛ والثانية، ان يوضح لرجال الاعمال بأنه اذا تصرفوا في وسائل الاتصالات التي بملكيتهم على نحو جميل، فإنهم سيرتاحون في عملهم. برلسكوني مدموج في ألوفيتش. هل ماتت الخطة؟ ليس مؤكدا.

لغز آخر يرافق قضية الغواصات. لماذا نقلت معالجة صفقة المشتريات الكبرى هذه من وزارة الدفاع إلى ديوان رئيس الوزراء؛ لماذا أصر نتنياهو، بخلاف كل سابقة، على نقل الموضوع إلى جهة ليست مبنية للانشغال بها، بلا رقابة، بلا نقاش. لماذا سلم وزير الدفاع بوغي يعلون بهذه الالتفافة. اليوم يتهم يعلون نتنياهو بالفساد، ليس فقط على مسمع من اذان الإسرائيليين، بل في وسائل الاعلام الاجنبية، ولكن ما الذي فعله في حينه، حين كان بوسعه ان يوقف الانجراف.

السؤال الكبير هو ماذا كان دور نتنياهو في هذين الاحتفالين. اذا لم يعرف ـ مرة اخرى لم يعرف ـ فإن كفاءته موضع شك. واذا كان يعرف، فليحفظنا الرب.

وبالطبع، من نبش أين، من أمر بإلغاء العطاء ولماذا، وكيف حصل ان شمرون، رجل السر، نسي أن يروي لرئيس الوزراء بأنه ضالع في الصفقة التي يدفعها نتنياهو إلى الامام. مهما يكن من أمر، يخيل ان نتنياهو والعصبة التي تبلورت حوله يقتربون من اللحظة المعروفة جدا في الماضي، التي يقول فيها إسرائيليون لزعمائهم: أيها الفاسدون، مللناكم.

(يديعوت)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى