نهاية مجلس التعاون الخليجي ؟
غالب قنديل
كان تأسيس مجلس التعاون الخليجي كمنظومة إقليمية بقيادة المملكة السعودية في الثمانينات حلقة مهمة في استراتيجية الولايات المتحدة والغرب لتطويق إيران بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الشاه القوة الإقليمية الحليفة لإسرائيل والضامنة لهيمنة الغرب في المنطقة خلال عقود.
أولا نسجت شراكات كثيرة بين حكومات المجلس أمنيا واقتصاديا وتحقق بواسطته انتظام سياسي يلبي حاجات الخطط الغربية في البلاد العربية وفي كل شاردة وواردة تكتسب اهمية وأولوية في التوجيه الأميركي كان المجلس حاضرا ومندفعا بجميع حكوماته للانتقال من النقيض إلى النقيض فبعدما انخرطت حكوماته بكل نشاط في تمويل الحرب العراقية ضد إيران ساهمت في تحضير وتمويل غزو العراق لتدميره واحتلاله كما أنها هي نفسها تسهم منذ أربعين عاما في استيلاد جماعات التكفير الإرهابية ورعايتها وتسويقها وتمويلها وتشترك اليوم في الحملات الأميركية تحت عنوان مكافحة الإرهاب وتجفيف موارده بل بات ذلك العنوان الأميركي نفسه محور انقساماتها وخلافاتها وتبادل الاتهامات في ما بينها كما يحدث في السجال السعودي القطري.
ثانيا شرعت الظروف التي استولدت هذا الحلف الإقليمي تتبدل بعدما خاض كمنظومة تابعة حروبا عديدة ساهم في تمويلها وتغطيتها السياسية ومنذ تأسيسه كان الخزان التمويلي ومصدر التغطية السياسية الإعلامية الموثوقة للمشاريع الأميركية بكل دقة وأشدها خطورة كانت حرب تدمير اليمن وخطط استهداف سورية والمقاومة في لبنان وفلسطين وصولا إلى تعميم ودعم اتفاقات الصلح مع الكيان الصهيوني ومساندة موقعيها من الحكومات العربية التابعة وكسر “مقاطعة إسرائيل” وتدجين الرأي العام العربي والفلسطيني لقبول فكرة التعايش مع الاحتلال الاستيطاني الصهيوني والتنازل عن بديهيات الحقوق الوطنية الفلسطينية ولاسيما حق العودة وفكرة المقاومة.
توقيت انفجار التناقضات والتعارضات الكامنة داخل المنظومة الخليجية ناتج عن الهزائم الكبرى للحروب والغزوات التي تجند لخوضها بالإمرة الأميركية وهو ما يعبر بقوة عن تصدع الهيمنة الاستعمارية الأميركية في العالم واضطرار دول المجلس إلى اعتماد لوائح اولوياتها الخاصة في مناخ التغييرات العاصفة.
ثالثا توجهات السياسة الأميركية بما تظهره حتى اليوم في الأزمة الخليجية المستجدة تقوم على تثبيت الانقسامات واستثمارها وتحصين محاور الخلاف الخليجي عبر الدور التركي النشط اقتصاديا وعسكريا ومسعى الوزير الأميركي ريكس تليرسون للتوصل إلى تفاهم بين قطر والسعودية ينطلق من فكرة تكريس وجود محورين داخل منظومة الهيمنة وتثبيت الموقع الكويتي الوسطي غير البعيد عن الموقع العماني من موضوعات الخلاف جميعا بما فيها العلاقة مع إيران.
تعمد وزير الخارجية الأميركية تحقيق اول حصاد لواشنطن من الأزمة عبر اتفاق ثنائي يتيح لواشنطن وضع المالية القطرية برمتها تحت الوصاية الأميركية وهو حرص على إبلاغ الدول الأربع المشتبكة مع قطر ان ما وقعه في الدوحة هو مشروع للتعميم على العواصم الأخرى بحيث يمكن للولايات المتحدة تتبع كل دولار يصرف او يحول.
رابعا هذا النموذج من الرقابة الصارمة على القطاع المصرفي وحركة اموال الخزينة الوطنية فرض سابقا في الكويت بذريعة استيفاء تكاليف ” التحرير ” من الحكومة الكويتية وحجز حصة كبيرة من عائدات النفط الكويتي ناهيك عن الاستثمارات وعقود البناء بعد الحرب التي حصدتها الشركات الأميركية.
اللافت مؤخرا توسع الشراكات الكويتية اقتصاديا وتجاريا مع كل من قطر وتركيا وهو ما لايعقل ان يجري خارج المظلة الأميركية ليكرس في قلب منظومة الحكومات التابعة للغرب محورين متنافسين سعودي – مصري وتركي – قطري تتوسطهما الكويت وعمان ويعمل كل منهما لتظهير جدارته في خدمة الأهداف الأميركية والغربية وحيث ينشيء الأميركيون في مواجهة إيران مساحتين متناقضتين فمن جهة يتيح هذا التاكتيك فرص الانفتاح على طهران عبر تركيا وقطرلخدمة نهج الاحتواء والتفاهم الممكن بينما يعمل السلوك السعودي العدائي والهجومي والاستنكاف المصري عن الحوار مع إيران لصالح الضغط عليها وتصعيد الابتزاز الأميركي.
خامسا حتى لو وقعت مصالحة سعودية قطرية بعد الخلاف الأخير فإن استرجاع تماسك المجلس بات وهما عصيا وانفجاره في حرب وشيكة كما يقول البعض يبدو احتمالا ضعيفا مع الدعم العسكري الأميركي والتركي لقطر تحت شعار عدم رميها في حضن إيران.
ما ينبغي الانتباه إليه هو ان تشظي هذا الحلف الخليجي يطمس حروبا خاسرة تراوح في مكانها وتنتقل من مأزق إلى آخر وتترك معالم خسارات متراكمة من التبعية لواشنطن ومن العمل في خدمة تل أبيب وهو ما أسهم فيه المتناحرون بجميع مواقعهم وتوجهاتهم ويكفي انهم كانوا معا يراهنون على إسقاط سورية وتصفية حزب الله منذ غزو العراق الذي شاركوا في التحريض عليه وفي دفع فواتيره بالتكافل والتضامن.