«محرقة» النسبية: «انتحاريون» كسالى… و«ضحايا» الصوت التفضيلي رلى إبراهيم
ولّى، إلى حدٍّ ما، عهد المحادل الانتخابية. القانون الانتخابي الجديد يحتّم على كل الأطراف إعادة النظر بـ«ركاب البوسطات» الانتخابية، للتخلص من «الثقّالات». وعليه، سيكون لـ«محرقة» النسبية «أكباش فداء» كثيرة
كثر هم ضحايا القانون الانتخابي الذي أُقرّ أخيراً، وفي مقدمهم «انتحاريون» تُسجَّل لهم «شجاعتهم» برفع أيديهم تأييداً لقانون قد ينتهي بهم خارج «جنة البرلمان». فبعضهم سيُحاسب على كسله بعدما اكتفى من النيابة بركوب «البوسطة»، من دون أن يُسجَّل لهم حضور تشريعي أو خدماتي. فيما بعضهم الآخر من التشريعيين ــــ على قلتهم ــــ يتأرجح مصيرهم تحت وطأة الصوت التفضيلي. هؤلاء وأولئك بات وجودهم ــــ في ظل النسبية التي أُدخلت على القانون ــــ يرخي ثقلاً على مرجعياتهم وأحزابهم التي يرجح أن تعمل على استبدالهم بمرشحين «رافعات».
البداية من بيروت، حيث قُسّمت الدائرة، وفقاً لتعديلات القانون النسبي، الى اثنتين، وفي كلتاهما يعدّ تيار المستقبل الخاسر الأكبر. ففي الدائرة الثانية، سيجهد رئيس الحكومة سعد الحريري ليبقي قبضته على الحصة الأكبر من المقاعد السنية الستة، ما يحتم عليه توزيع الأصوات التفضيلية. وبما أنه لا فوز بنسبة 100% في القانون النسبي، يرجح أن يخسر الحريري على الأقل مقعداً سنياً ومقعدين شيعيين ومقعدين مسيحيين نتيجة صب الأصوات التفضيلية الزرقاء في غير مكان. ويتُوقع أن تطال الخسارة النائب عمار حوري باعتباره الحلقة الأضعف بين الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس الحكومة السابق تمام سلام. وكذلك النائب عاطف مجدلاني (المقعد الأرثوذكسي) الذي تكاد تنعدم حظوظه في العودة الى ساحة النجمة في حال عدم إغداق تيار «المستقبل» أصواتاً تفضيلية عليه. فهو، بعد 17 عاماً أمضاها نائباً عن بيروت، لم ينجح في بناء حيثية شعبية حقيقية، مكتفياً بالاعتماد على المحدلة الحريرية.
في بيروت «المستقبل» أول الخاسرين وعلى حزب الله إنقاذ 2 من 4 في بعلبك ـ الهرمل
وضع النائب عن المقعد الإنجيلي باسم الشاب الذي يشكل بعلاقاته السياسية والدولية، إضافة الى التيار الأزرق، ويحوز ضمناً رضى الطائفة ليس أفضل كثيراً في حال كان للتيار الوطني الحر مرشح منافس في دائرة لا يتجاوز فيها عدد المقترعين الإنجيليين الثلاثة آلاف. وهو ما يقرّ به ضمناً لـ«الأخبار». إذ اعتبر أن «لا شيء مضموناً باستثناء المرشحين الذين يحوزون أصواتاً تفضيلية، ما يحتم علينا كتيار التفكير بالتكتيك». ولا ينكر الشاب أن «وضعي كان أفضل في قانون الستين. لكن القانون الجديد أفضل ويجب تغليبه على المصلحة الشخصية».
النائب غازي يوسف، الفاقد لأي حيثية تمثيلية لشيعة العاصمة (نال ألف صوت شيعي من 15 ألفاً في انتخابات 2009)، سيكون أيضاً بين «المغادرين» بعد دمج دائرتَي بيروت الثانية والثالثة. لكنه، رغم ذلك، يؤكد نيته الترشح مجدداً لأن «حظوظي مثلي مثل غيري… والحديث عن استبدالي بالنائب عقاب صقر ليس سوى حكي جرايد» على ما يقول لـ«الأخبار».
في بيروت الأولى، يشبه وضع النائب عن مقعد الأقليات نبيل دو فريج (نقل المقعد الى الدائرة الأولى) وضع مجدلاني لجهة الكسل النيابي المتواصل منذ 17 عاماً. وبالتالي، فإن بقاءه في مقعده غير محسوم، ويتوقف على دعم «المستقبل» له بالأصوات التفضيلية أو التخلي عنه لمصلحة النائب سيرج طورسركيسيان أو الوزير جان أوغسبيان.
في البقاع الغربي ــــ راشيا، يهتز مقعد الروم الأرثوذكس تحت أنطوان سعد، النائب منذ 2005 على لائحة الحزب الاشتراكي. إذ إن ترشح نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، مثلاً، سيرجح كفة الأخير لأن التيار الوطني الحر قادر على رفده بالأصوات التفضيلية الكافية للفوز، فيما ستتركز أصوات الاشتراكيين التفضيلية على المرشح وائل أبو فاعور، لا على سعد. والأمر نفسه ينطبق على النائب أمين وهبي الذي لن يتيح له القانون النسبي التنعم بحسنات الستين. إذ يبلغ عدد الناخبين الشيعة في هذه الدائرة 20,689، ما يرجح سحب المقعد من تحته. وبحسب وهبي، «لا يمكن حسم النتائج في انتظار اتضاح صورة التحالفات السياسية وكيفية توزيع الأصوات». وفي الدائرة نفسها، يرجح الخبراء خسارة «المستقبل» مقعداً سنياً من اثنين، والضحية على الأرجح سيكون زياد القادري، لأن وزارة الاتصالات يفترض أن تعيد ترتيب أوضاع الوزير جمال الجراح قبل موعد الانتخابات.
دائرة بعلبك ــــ الهرمل يرجح أن تشهد، للمرة الأولى منذ انخراط حزب الله في الشأن الانتخابي، خسارة الحزب مقعدين من أصل 10. ويفترض، تالياً، أن يختار حزب الله إنقاذ مرشحَين اثنين من أصل 4 هم: الوليد سكرية، كامل الرفاعي، إميل رحمة ومروان فارس. والأمر نفسه ينطبق على دائرة مرجعيون ـــــ حاصبيا، حيث يفترض بثنائي حزب الله ــ حركة أمل المفاضلة بين دعم النائبين أسعد حردان وقاسم هاشم.
على رأس «ضحايا» القانون والتحالفات المستجدة في قضاء الشوف، يتربّع النائب دوري شمعون، فيما مصير بقية المقاعد ينتظر جلاء صورة التحالفات. أما في عاليه، فيفترض بالنائب عن المقعد الماروني منذ 1991 فؤاد السعد أن يتهيأ للمغادرة، مفسحاً المجال لمرشح من التيار الوطني الحر، رغم أن السعد يؤكد أنه «بعد بكير… والقرار بيد اللقاء الديموقراطي».
في جزين، اسم «الضحية» عصام صوايا الذي سيخلي مقعداً لم يشغله يوماً بشكل فعلي بعدما أمضى معظم سني نيابته في الخارج. وفي بعبدا، يرجح أن يخسر التيار الوطني الحر واحداً من ثلاثة مقاعد مارونية، علماً بأن الحلقة الأقوى في القضاء هو النائب آلان عون. فيما لا يزال وضع المقعد الدرزي غير محسوم في انتظار خريطة حزب الله لتوزيع الأصوات.
تتغير الصورة تدريجياً في المتن الشمالي، حيث «الضحية» النائب غسان مخيبر، وهو من القلّة المشرّعة في برلمان لا يشرّع. ورغم أن بقاءه حاجة برلمانية لأي حزب لندرة النواب المشرّعين، إلا أن وضعه ليس على ما يرام نتيجة دخول الوزير السابق الياس بوصعب على خط الترشح من جهة، ووجود النائب ميشال المر من جهة أخرى. مخيبر (حليف التيار الوطني) أكد لـ«الأخبار» أنه «مرشح في كل الأحوال. أما التحالفات فتحدد في وقتها».
في كسروان، لا تزال تأثيرات القانون النسبي غير واضحة بعد. وهنا «يجوز الوجهان»: إما أن تشهد هذه الدائرة العدد الأكبر من «ضحايا» النسبية، أو تعيد النسبية الاعتبار لنوابها الذين كان ينوي التيار الوطني الحر تبديلهم، بعدما باتت أصوات جيلبيرت زوين وفريد الياس الخازن ويوسف خليل حاجة للتيار الذي يُتوقع، في أحسن الأحوال، أن يحافظ على ثلاثة من مقاعده، ما يزيد من حاجته الى مرشحين أقوياء.
وفي جبيل، حيث فاز التيار البرتقالي في 2009 بالمقاعد الثلاثة (مارونيان وشيعي)، سيحظى الفريق المنافس بفرصة انتزاع مقعد ماروني من العونيين. النائب وليد خوري قال لـ«الأخبار» إن التيار في هذه الدائرة «يحتاج إلى أحصنة رابحة»، ويؤكد أنه «مرشح حتى الساعة، في انتظار نتائج المرحلة الثالثة من الانتخابات الحزبية في التيار التي ستحدد تحالفات الحزب»، مشيراً الى أنه ليس حزبياً، بل حليف، وينتظر قرار التيار «بالتحالف معي أو لا».
على المقلب الآخر، ضمُّ بشري الى زغرتا والكورة والبترون يطيح ضحية أو أكثر في كل قضاء مع حصر الصوت التفضيلي. ففي زغرتا، يعدّ النائب سليم كرم الحلقة الأضعف بين النائبين سليمان فرنجية واسطفان الدويهي. وهو يقرّ بذلك ضمناً، مشيراً الى أنه «متشائم حتى يثبت العكس»، وخصوصاً أن القانون «معمول عقياسات معينة ويمكن تسميته قانون البترون». أما في الكورة، فإن الحلقة الأضعف هو مرشح تيار «المستقبل» نقولا غصن، لأن النسبية ستحتم على التيار الأزرق التركيز في جهة واحدة يرجح أن تكون لمصلحة النائب فريد مكاري، نظراً الى حدة المعركة في الدائرة. وفي البترون، لا يمكن تحديد هوية «النومينيه» في انتظار جلاء صورة التحالفات، فيما أضعف المرشحين حتى الساعة هو النائب الكتائبي سامر سعادة.
تختلط الأمور عند الوصول الى طرابلس، إذ إن النسبية ستتيح لمحمد الصفدي ونجيب ميقاتي ومحمد كبارة وسمير الجسر العودة الى المجلس. أما المقعد العلوي، الذي كان يشغله النائب الراحل بدر ونوس، فيحتمل أن يشغله للمرة الأولى مرشح من الحزب العربي الديموقراطي بالأصوات التفضيلية العلوية. أما على مقلب «المستقبل»، فيحوّم الخطر فوق شاغلي المقعدين الأرثوذكسيين رياض رحال ونضال طعمة، مع نية التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، المتحالفين مع «المستقبل»، تسمية مرشحين عن هذين المقعدين، فيما يركز التيار الأزرق اهتمامه على المقاعد السنية في الدائرة، علماً بأن رحال يعتبر أن كل هذه «تكهنات، وما حدا فوق راسو خيمة»، معوّلاً على «عكار الوفية».
النسبية أيضاً ستضع النائب هادي حبيش في موقف حرج لحاجته على الأقل الى نحو 15 ألف صوت تفضيلي للفوز مجدداً، فيما ينوي التيار والقوات صبّ كامل أصواتهم لمرشح واحد هو منافس حبيش على مقعده. فيما يواجه النائب خالد ضاهر تحدياً حقيقياً، ويتوقف فوزه مجدداً على إمكانية تشكيله لائحة قوية وتحالفه مع قوى معارضة يمكنها منافسة لائحة «المستقبل».
(الاخبار)