المس بالحرم!: تسفي برئيل
في ليلة مظلمة في السبعينيات المتحضرة، دخل عدد من الضباط رفيعي المستوى ومن ضمنهم قائد المنطقة الوسطى رحبعام زئيفي إلى اسفل الحرم الابراهيمي في الخليل. وبمساعدة حفارة كهربائية وفؤوس ومطارق قاموا باقتحام الفتحة الدائرية الضيقة في قاعة «سيدنا ابراهيم». موظفة الحاكم العسكري الشابة النحيفة تم انزالها بواسطة حبل مع مصباح إلى داخل المغارة، وبعد ذلك دخل كما يبدو بعض اصحاب الرتب العسكرية ورجال «الشباك» الذين كانوا شركاء في سرية الاقتحام.
أوجد «الشباك» مبررا مناسبا للاقتحام الليلي بزعم أنه يبحث عن مطلوبين يختبئون في المكان. وتم القول للقائم بأعمال مدير الاوقاف في الحرم إن الجيش الاسرائيلي يبحث عن مطلوبين في المكان. وطلبوا منه الخروج واغلاق الباب. ولم يتم العثور على أي شيء هام اثناء هذا البحث، الذي جاءت فكرته من زئيفي ـ لم يتم العثور على ادوات طعام ابراهيم أو جرابات النايلون لسارة. وبعد بضع ساعات خرج الحفارون من معبر المغارة إلى الهواء الطلق وهم متعبون وغير راضين. المكان المقدس لم يقدم الدليل العلمي على قداسته.
كانت تلك ايام توزعت فيها قداسة الحرم الابراهيمي بشكل متشدد بين المسلمين واليهود. وهذه القداسة ستنقسم من جديد كما هو معروف بين الاشكنازي والسفارادي واليمني. يوجد لكل طائفة منطقة للصلاة واوقات محددة لليهود والمسلمين، لهؤلاء اشارات القبر اليهودية ولاولئك المسجد، بينما ابراهيم هو الأب المشترك لهم. كان هناك سبب لهذا التقسيم المتشدد. اسرائيل كانت في مرحلة الرضاعة للاحتلال، وسعت إلى التعبير عن احترام جميع الاديان. ولم ينظر المستوطنون إلى الامر بهذا الشكل، فقد تبنوا المكان كموقع للمعارك أكثر من كونه مغارة مقدسة. مرة بينهم وبين أنفسهم ـ بين يمنيين واشكناز وسفاراديم ـ ومرة بينهم وبين المسلمين.
كان المكان مقدسا بالنسبة للمستوطنين إلى درجة أن الحاخام موشيه لفنغر سمح لابنه الصغير بأن يبول على الدرج المخصص لدخول المسلمين. وقد احترم مستوطنو كريات اربع الموقع، وشددوا على الحفاظ على قداسته كبيت صلاة للمسلمين إلى درجة أنهم قاموا بادخال زجاجات النبيذ للاحتفال بمراسيم البلوغ أو الزفاف. لم يكن هذا استعراض للقوة ضد المسلمين فقط، بل من اجل تحطيم التوجيهات والأوامر التي سعت إلى الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم ايضا.
ليس فقط وجود موظفي الاوقاف باذن هو الذي اغضب المستوطنين، بل ايضا تسامح الجيش امام المسلمين أثار اشمئزازهم. وكما هو متوقع، تم احتلال الحرم في نهاية المطاف من قبل المستوطنين. اوقات الصلاة واماكن صلاة المسلمين تقلصت، والمستوطنون توجهوا من اجل السيطرة على اهداف مقدسة جديدة: مبنى هداسا، كنيس سيدنا ابراهيم، الوني ممرا. وذروة القداسة قدمها الرجل باروخ غولدشتاين الذي تبرع للحرم بـ 29 جثة للمصلين المسلمين.
اعلان اليونسكو عن الحرم الابراهيمي على أنه موقع ميراث عالمي موجود في فلسطين، يلخص بشكل كامل تاريخها في ايام سيطرة المستوطنين في الخليل. وفجأة لمست الامم المتحدة العضو المقدس لليهود، وكأنه كان تابعا لجميع الديانات. وهو نفس العضو الذي تم استخدامه في الاغتصاب الجماعي المتواصل لحي كامل في الخليل، الذي شل الشارع الرئيس في الخليل، وحطم صورة اسرائيل الانسانية كمن تحتل بلطف وأدب الاماكن المقدسة التي توجد تحت رقابتها.
لقد تحول الحرم الابراهيمي إلى موقع عسكري محصن ومحاط بمنطقة «طاهرة». وهذا يعتبر رمزا لانتصار المستوطنين وخضوع الجيش الاسرائيلي لجيش الله. والحرم الابراهيمي يستحق لقب «موقع ميراث عالمي» ليس بسبب قبور الآباء والأمهات، بل كدليل على الانتصار القومي الديني اليهودي على المسلمين. هذا الرمز الذي قام بخصم مجزرة العام 1929 ضد اليهود في الخليل من خلال مجزرة نفذت ضد المسلمين بعد ذلك بـ 65 سنة. لا أحد يحق له أن يحرم اسرائيل من هذا الامر.
هآرتس