سليماني ونصرالله
ناصر قنديل
– لا يشبه الإعلان عن تقبيل يد السيد نصرالله من الجنرال قاسم سليماني إعلان السيد نصرالله عن تقبيل رؤوس وأيدي وأقدام المقاومين في حرب تموز، إلا بطهر المقصد وقداسة الموقف، ففي الحالتين وجد ووجدان ومعرفة وعرفان، ويقين بأنّ التقبيل لا يطال مادة ولا يعني ضعفاً وخنوعاً، بل هو اندماج حتى الذروة بالقيمة التي يمثلها موضوع التقبيل، فعل صلاة وعبادة وتقديس لتضحية وعطاء وإعلان ولاء ووفاء، أما الفارق فهو فارق تقبيل الأب لرأس ويدَي وأقدام مولوده شكراً للهبة الإلهية، وتقديراً لقيمة الخلق والوجود. وفي المقابل تقبيل رأس ويد الوالد والأخ الأكبر بعد الفوز شكراً للعناية الإلهية وللرعاية والعناية وتقديراً لقيمة الحضور والوجود. وكما كانت الحالة الأولى تعبيراً عن عظمة تواضع السيد نصرالله وعظيم ما يبذله ويمثله المقاومون، جاءت الثانية تعبيراً عن عظمة وتواضع الجنرال سليماني وعظيم ما يمثّله السيد نصرالله ومهابة المكانة التي يختزنها .
– في السياسة الكثير مما تعنيه كلمات سليماني، فهو وفقاً لخصوم إيران والسيد نصرالله والمقاومة وما تصفه به فضائياتهم، حاكم المنطقة الأول وواليها، وهو الآمر الناهي من سورية إلى العراق ولبنان واليمن، والكلّ يعمل تحت إمرته، وكم سمعنا كلاماً عن أوامر سليماني للرئيس السوري ولرئيس الحكومة العراقية ولقيادة حزب الله، وأن لا حلفاء ولا أصدقاء ولا شركاء بل تابعون لإيران يعملون تحت إمرة سليماني، والمثال حزب الله، وها هو سليماني يقول أقبّل يد السيد نصرالله، فماذا عسى هؤلاء يقولون؟
– إن لم يعتذروا ويعتبروا فسيقولون إنه أمر عادي، أو مجاملة شكلية أو رفع معنويات لحليف يقدّم التضحيات، وسنقبل منهم أيّ وصف يقدّمونه، لكننا سنطلب منهم معاملة مَن يمثل في حلفهم نظيراً لسليماني لمن يمثل نظيراً لنصرالله، بمثل ما قاله سليماني لنصرالله، مع صعوبة المقارنة والتشبيه في المقامات والمواقع. فإنْ اعتبروا سليماني القائد الفعلي الإيراني الذي لا يخضع لرئيس الجمهورية الإيرانية ويتهجّم عليه، كما تقول فضائياتهم، والذي يرتبط فقط وبصورة معنوية بالمرشد السيد الخامنئي، قلنا إنّ محمد بن سلمان في معسكرهم يوازيه، ومع حفظ الفوارق أيضاً، لو قلنا إنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يوازي في المشروع السعودي في لبنان كما منصور هادي في اليمن، ما يسمّونه بمكانة السيد نصرالله في المشروع الإيراني، فهل يمكن أن نسمع محمد بن سلمان من باب المجاملة ورفع المعنويات يطلب تقبيل يد الحريري أو هادي؟
– تحدّث السيد نصرالله، وبكلّ وقار مهابته ومكانته لم يتبادل المجاملات والتحيّات مع الجنرال سليماني، ويشكره لكلامه النبيل، فالمقاومون منشغلون بما عليهم فعله، وليس بينهم بروتوكولات. وما قاله سليماني كان في سياقه واجب القول بنظره في سياق تقييم مسارات حرب الموصل، والحرب على الإرهاب والتذكير بمكانة المقاومة وقائدها. وما قاله السيد له سياق آخر، جوهره أنّ العراقيين صنّاع نصرهم، لأنهم اعتمدوا على أنفسهم فجاءتهم المعونة، لكنهم لم ينتظروا حتى الحلفاء والأصدقاء، ولم يُصغوا للأعداء، وسياق الكلام وصولاً للقول للبنانيين إنّ وجود الإرهابيين في عرسال بات مهانة ونقيصة بعد تحرير الموصل. فكيف وهو مصدر للخطر، ليختم السياق بالإعلان أنّ المقاومة حسمت أمرها، وكما هي دائماً ستكون حيث يجب أن تكون، وطبيعي أن لا يذهب السيد للحديث عن أنّ مساهمة إيران كانت صاحبة الفضل ويضيّع بوصلة قضيته فقط لأنه يريد ردّ التحية، التي لو كانت أقلّ بكثير من محمد بن سلمان للحريري بقيت الاحتفالات والخطب لأيامٍ وليالٍ عشر تتحدّث عن المكرمة الملكية، وعن الروح الأميرية.