بقلم غالب قنديل

حول تفاهمات هامبورغ

غالب قنديل

اختصر الرئيس الروسي الطرق عندما وصف ما جرى بينه وبين نظيره الاميركي بالقول ان الوﻻيات المتحدة باتت اكثر براغماتية حول سورية وهو لم يوحي بتحول مماثل في مواقف الوﻻيات المتحدة من ملفات أخرى كثيرة وساخنة في الصراع بين روسيا والوﻻيات المتحدة

.

اوﻻ رغم تفاؤله بتدشين مرحلة من التعاون وتطوير التنسيق اﻷميركي الروسي تحاشى بوتين ضمن هذه الحدود المبالغة في توصيف التفاهمات الفعلية التي تم التوصل اليها ولم يقل مثلا ان ما جرى يؤسس لحلول شاملة في سورية او اوكرانيا كما لم يقل ابدا ان التصعيد اﻷميركي واﻷطلسي في الجوار الروسي بات وراءنا في وقت أكدت واشنطن مباشرة بعد اجتماع الرئيسين تمسكها بالعقوبات ضد روسيا وهي مصدر رئيسي للتوتر وللأجواء المشحونة.

يقابل هذه الدقة الروسية في التوصيف تصميم حكومات العدوان على سورية في منظومة الهيمنة اﻷميركية الصهيونية عبر أبواقها والمرتبطين بها على إنكار وقوع انعطاف أميركي قسري فرضته المعادﻻت والتحوﻻت في سورية وبالتالي فرضته أي صنعته سورية وحلفاؤها.

ثانيا التحول اﻷميركي نحو سلوك اكثر واقعية كما قال الرئيس بوتين أعقب اختبارات قوة متلاحقة منذ تعليق الرئيس أوباما للتفاهم الموقع بين الوزيرين سيرغي لافروف وجون كيري وهذا السلوك الجديد تجلت ملامحه بصورة مبدئية بتراجعات أميركية في السياسة ( الموقف من دور الرئيس بشار اﻷسد والجيش العربي السوري وشركائه وتكريس اﻻعتراف بالمرجعية الروسية الحاسمة في سورية ) وعبر التسليم بالوقائع التي فرصتها سورية وحلفاؤها على اﻷرض ( التقدم السوري في البادية وفتح لحدود العراقية ) وهذا ليس سوى تعبير عن مأزق اﻹمبراطورية وعن تعثر مشروعها اﻻستعماري ﻻسيما في الشرق العربي.

ثالثا في شرح خلفيات العودة الى خيار الحوار والتعاون مع روسيا حول سورية بالذات ﻻيخفي الاميركيون حقيقة ان الحافز الرئيسي كان استشعار المؤسسة الاميركية الحاكمة لضرورة ابعاد خطر الصدام العسكري الوشيك بين روسيا والوﻻيات المتحدة وقد وصف معهد واشنطن الظرف المشحون بأنه كان نذير حرب كارثية شاملة قابلة للاشتعال بفعل تداعيات الاحداث التي اعقبت قصف مطار الشعيرات والغارات الاميركية التي فشلت في عرقلة تقدم الجيش العربي السوري نحو الحدود العراقية أو في وقف عملياته المتواصلة في الجبهة الجنوبية وحيث بلغت العربدة اﻷميركية ذروة اﻻستفزاز في اسقاط طائرة حربية سورية ما اقتضى انذارا روسيا صارما ورسالة صاروخية إيرانية وحركة سورية ميدانية واسعة مع الحلفاء في معارك البادية النوعية ﻹفهام واشنطن حجم كلفة اﻻشتباك الواسع وطاقة الردع التي يملكها محور سورية وشركائها روسيا وإيران وحزب الله وبما يتخطى إسقاط خطوطها الحمراء إلى بلورة توازن قوى جديد في سورية واﻹقليم.

رابعا أولوية الجبهة الجنوبية الغربية في حسابات الوﻻيات المتحدة ناتجة عن وقوعها جغرافيا على جبهة الجوﻻن المحتل وعلى الحدود مع اﻷردن وفي المحورين حليفان لواشنطن استهلكت طاقتهما على تطوير تدخلات جديدة لتصعيد العدوان على سورية وبات الهم الرئيسي لديهما هو تحاشي تداعيات الفشل وخسارة ما تبقى من المرتزقة والعملاء المرتبطين بالاستخبارات اﻷردنية الصهيونية التي هزمت أمام الدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري في معركة الجيوب العميلة التي شارك في إدارتها ضباط أميركيون وبريطانيون وأتراك بالمال الخليجي من عمان وتل أبيب.

تخشى تل أبيب مزيدا من تقدم وانتشار الجيش العربي السوري وحلفائه على جبهة الجوﻻن بعد تبدد المجموعات العميلة وفشلها في فرض حزام مبعثر لن تحميه التفاهمات الأخيرة ﻷنه مكون من فصائل قاعدية ليست مشمولة بأي صيغة لوقف القتال بينما تعرف عمان ان القادم بعد فك الحصار عن دير الزور هو خطر انتقال فلول داعش المشتتة بعد الهزيمة نحو اﻷردن حيث باتت لديها معاقل فعلية وهو ما حذر منه الخبراء اﻷميركيون.

خامسا ما تضمنته الرواية اﻷميركية عن تفاهمات هامبورغ باﻹضافة لتجميد المعارك بإشراف الشرطة العسكرية الروسية يؤكد تسليم الحدود الاردنية ومعابرها للجيش العربي السوري كما تم في السياق وعلى لسان مصادر في الخارجية والبنتاغون تسريب عدم الممانعة اﻷميركية في حسم الجيش العربي السوري وحلفائه لمعركة دير الزور.

خرافة التقاسم والتقسيم التي يرددها البعض في تفسير ما يجري ﻻ وجود لها في قاموس القيادة السورية وحلفائها الذين يشددون وبقوة على مبادئ السيادة الوطنية ووحدة التراب السوري وهذا أمر حاسم ستثبت اﻷحداث صلابة التزام المحور السوري به عسكريا وسياسيا لكن للحرب اولوياتها في خطط المحور واﻵتي لناظره قريب.

سادسا اختبار الجدية الأميركية في الميدان تديره بكل حذر وحزم روسيا وحلفاؤها والجيش العربي السوري سيقطف المكاسب المتاحة بتوسيع سيطرته وتعزيزها وعبر مسيره لفك الحصار عن دير الزور وقد بات معروفا ان مآل اﻻتفاقات سيكون فكا وتركيبا في صفوف المسلحين لتكريس اولوية مقاتلة الإرهاب وﻻغتنام فرص المصالحات الوطنية التي تتحرك نحوها الفاعليات الشعبية واﻻجتماعية في سائر المناطق السورية بعد تجميد مفاعيل ارهاب السلاح وظهور فرص استرجاع الحياة الطبيعية في ظل الدولة السورية التي أثبتت صمودها كدولة راعية لجميع مواطنيها رغم كل ما لحق بها من خسائر جسيمة.

ان جميع المصالحات واتفاقات التجميد التي قادتها الدولة السورية بالشراكة مع حلفائها سمحت للجيش العربي السوري بتحرير بعض من قواه ونقلها الى محاور قتال تكتسب اولوية بارزة في خطة تحرير الأرض السورية من الإرهابيين والمرتزقة الذين حشدهم حلف العدوان وهذا الجيش يراكم مع شركائه الصادقين تحوﻻت متلاحقة سوف تتوج بانتصار كبير يطلق نهوض سورية ويدشن صعودها الحاسم كقوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى