الانتخابات: «العمل»… الرأس في السماء والأقدام في الرمل: ناحوم برنياع
ثماني مرات هزم مناحيم بيغن في الانتخابات. وفي المرحلة التاسعة فقط، في انتخابات ايار/مايو 1977، نجح في احتلال رئاسة الحكومة. ولم يتحقق التحول بسهولة. سبقه قصور استخباري وسياسي كلف نحو 3 الاف قتيل؛ سلسلة من قضايا الفساد ألقت بعارها على الحزب الحاكم؛ اتحاد أحزاب في اليمين وانشقاق احزاب في الوسط ـ اليسار؛ صراع مليء بالسم في داخل الحزب الحاكم، وضع مؤسس الدولة في مواجهة ورثته، والورثة هؤلاء في مواجهة اولئك.
عندما يصل عمير بيرتس وآفي غباي هذا الصباح إلى صندوق الاقتراع، للتصويت في الانتخابات لرئاسة حزب العمل، سيستقبله الشباب، من مبعوثي قيادات الانتخابات، ممن سيهتفون بوتيرة «ها هو من جاء/رئيس الوزراء جاء». وستكون الاجواء احتفالية: النشوة في السحاب. لقد ذاق بيرتس منها حين ترأس العمل في انتخابات 2006. وهو يعرف أن هذه أمنية، وليست خطة تنفيذية؛ وغباي هو الاخر يعرف: فأي منهم ليس غبيا.
الرجل الذي ينتخب اليوم لن يحل محل نتنياهو: فهو يحل محل بوجي هرتسوغ. هرتسوغ سمع، حتى وقت أخير مضى تماما، ذات الشعارات من جوقات مشابهة، ولكنه لم يصل إلى أرض الميعاد. هذا جزء من القصة الحزينة لحزب العمل: رأسه في السماء، اقدامه مغروسة في الرمل. في «دي.ان.ايه» الحزب هو حزب حكم: هذا هو التاريخ، هذا هو الطموح. اما عمليا، فهو حزب مرافق. مثله كمثل هبوعيل تل أبيب في كرة القدم: صورته الذاتية تجعله في قمة الدوري الاعلى. اما الواقع فيضعه في الدوري الوطني، بين ريشون لتسيون والعفولة.
الطموح هو قيمة هامة ايجابية: وبدونه لا وجود للعمل. ولكن الفجوة بين الطموحات والواقع كبيرة جدا. وبيرتس وغباي هما رجلان صالحان، كل واحد بأسلوبه، ولكن طريق العودة إلى الحكم طويلة، ومتعلقة بالتطورات التي هي خارج تأثيرهما.
قيل الكثير في الايام الاخيرة عن انتماء الرجلين الطائفي. وحقيقة أن أصلهما من المغرب اعتبرها الكثيرون تحولا تاريخيا، فعلا يتحرر فيه العمل دفعة واحدة من القيود الاشكنازية التي هزمته. ثمة حتى طائفة من ناطوري كارتا الشرقيين تدعي ان هذا ليس كافيا: فالذنب التاريخي سيبقى يحوم فوق رأس العمل إلى الابد (أو، على سبيل البديل، طالما كان اعضاء هذه الطائفة يعيشون ويرتزقون منها).
لم يلعب الأصل الطائفي دورا حقا في انتخاب زعماء الدولة في الماضي، وبالتأكيد لا يلعب دورا في إسرائيل اليوم. هناك فجوات في الطريقة التي ينظر فيها سليلو الطوائف المتلفة إلى النزاع اليهودي ـ العربي، مكان الدين والتقاليد، قيم الثقافة وجدول الاعمال الاجتماعي. هذا لا يمنع الليكود من أن يرشح المرة تلو الاخرى، بنجاح لا بأس به، سياسيا اشكنازيا لرئاسة الوزراء.
لو كنت عضوا في العمل فمن كنت سأنتخب؟ افترض أني سأقرر وفقا لمقياسين: الاحتمال في الوصول إلى الثلاثين مقعدا التي يمكن منها أن نشم الحكم، والقدرة على بلورة معارضة كفاحية.
بيرتس مجرب؛ وهذا ميزة. فهو يعرف الميدان وقد اصابته ندوب المعارك. من جهة اخرى، فإن السقف الزجاجي فوقه منخفض جدا. اما غباي فيعرف كيف يطيب لجماهير متنوعة، لناخبي لبيد، كحلون وربما الليكود ايضا. قدرته السياسية لغز. يحتمل أن يتبين بانه لمرة واحدة، ضيف للحظة، تقريبا مثلما كان عمرام متسناع؛ ويحتمل أن يكون هو الرجل الذي يخرج حزبه إلى الرحاب. بالنسبة للمعارضة، فإن احتمال أن يتميز أي منهم في هذا المجال طفيف. حلم السلطة سيغشي عيونهما.
المجهول في هذه القصة ليس غباي أو بيرتس؛ المجهول هو مزاج الإسرائيليين. فغير قليل من الإسرائيليين ملوا السلوك الانتهازي، المهين للسياسيين، بدء بتذبذات نتنياهو وانتهاء بميكي زوهر واورن حزان. ما يحصل في دول عديدة في العالم يحصل هنا ايضا، لاسباب طيبة. السؤال هو كم ملوا، وهل الملل سيؤدي بهم إلى اجتياز الخطوط. لن تكون الانتخابات القادمة على ما يبدو على مستقبل المناطق، الدين والدولة، الاقتصاد والمجتمع؛ إذا كان مرشح الليكود هو نتنياهو، فإن الانتخابات ستكون على نتنياهو. فمن سيجيد التنافس ضده، غباي أم بيرتس؟ عشية الانتخابات في 1999 جرت مواجهة بين المرشحين. من نجح في دق دبوس في بالون نتنياهو كان اسحق مردخاي، مرشح حزب الوسط، هو وليس غيره. فهل يعرف غباي كيف يجد الدبوس؟ أم بيرتس؟
يديعوت