نقاط على حروف “الأزمة القطرية”
غالب قنديل
شكلت الأزمة القطرية مناسبة كاشفة للتناقضات والتعارضات الخطيرة التي تم التكتم عليها خلال السنوات الماضية داخل محور الهيمنة الأميركية في المنطقة ونتيجة مسلس الهزائم والإخفاقات امام محور المقاومة وشريكيه الروسي والصيني خرجت دفعة واحدة إلى السطح كمية الملفات والقضايا الخلافية في صفوف هذا المحور بعد اتضاح عجزه عن تصعيد الحروب والتدخلات العاثرة في سورية واليمن وليبيا والعراق وعن إدارة حروبه بواسطة عصابات التكفير وشبكاتها العابرة للحدود التي تنذر بالارتداد على المشغلين والداعمين .
اولا تتصدر الكويت بدورها السياسي في الأزمة الأخيرة منظومة دول مجلس التعاون الخليجي المنقسمة وتستقطب عاصمتها اهتماما سياسيا اميركيا وبريطانيا وغربيا حول الوساطة التي تقوم بها انطلاقا من إدراك واشنطن لضرورة احتواء الأزمة واستثمارها في آن معا وهو ما صرح به المسؤولون الأميركيون الذين يتصرفون على قاعدة ان الأزمة مديدة وينبغي السعي إلى حلها على نار هادئة.
إن جميع صيغ التسويات والحلول المقترحة تضمنت بنودا مالية وسياسية لتثبيت الهيمنة الأميركية في المنطقة وهي تنطلق من تكريس مرجعية واشنطن في رسم التوجهات الخاصة بحكومات الخليج بما فيها شؤونها السيادية المالية والأمنية وهذا امر يعني انضباطا واستعداد للتقيد بالتعليمات والتوجيهات الأميركية وحيث تخضع دولة الكويت لمثل هذه التدابير منذ ما سمي بالتحرير بعد الغزو العراقي.
ثانيا ما يتردد من كلام عن احتمالات نشوب نزاع عسكري وغزو سعودي لقطر ما يزال في حدود التهويل السياسي الذي تعترضه مجموعة من الوقائع أبرزها أن الوجود العسكري التركي في قطر يتوسع منذ نشوب الأزمة .
ان القوات التركية هي جزء من قوات الحلف الأطلسي في المنطقة ولم تكن لتتحرك من دون موافقة أميركية مباشرة ووجود هذه القوات إلى جانب القاعدة العسكرية الأميركية يعني انه سيكون على أي مغامرة عسكرية سعودية ان تضع في حسابها مواجهة مباشرة مع تركيا والولايات المتحدة معا وهو ما يناقض الحرص السعودي على الاحتفاظ بحصاد الغطاء السياسي الأميركي لعملية وراثة العرش الذي كرسته زيارة الرئيس دونالد ترامب في حين ان القوات السعودية منهكة ومستنزفة في اليمن ويفوق طاقتها تحدي الاشتباك مع تركيا إذا افترضنا حياد القاعدة الأميركية في أي اشتباك قطري سعودي.
ثالثا كانت إجازة الحشد العسكري التركي إلى قطر نتيجة لإدراك البنتاغون أن تفاقم النزاع وتحوله إلى حرب إقليمية قد يصبح فرصة سانحة لتدخل إيراني لأن الغزو العسكري لقطر يعزز اندفاعها في حضن إيران وتوسيع حدود ما هو محقق من شراكات اقتصادية وتجارية بين البلدين نحو طلب الحماية بينما كان تعزيز التواجد العسكري التركي بالنسبة لواشنطن هو “البديل الآمن”.
بناء على هذه الحسابات حرص المسؤولون الأميركيون والبريطانيون على تظهير حرارة العلاقة الوثيقة مع قطر والدعوة إلى تفاهم سياسي خليجي عبر دعم الوساطة الكويتية بينما طلبوا من الدوحة مؤخرا الإبلاغ عن استعدادها لمناقشة إيجابية في شروط التفاهم وبنوده وهو ما يركز عليه وزير الخارجية الأميركي في جولته الخليجية العاجلة علما ان الولايات المتحدة ستحصد اموالا وأرباحا تجارية وصفقات كثيرة ومزيدا من النفوذ السياسي في الذهاب والإياب من موقعي التحكيم والوصاية على التفاهمات التي تنسجم وسياستها في المنطقة.
رابعا إن الضغوط المصرية المكثفة اجبرت المملكة السعودية نتيجة الحاجة السياسية إلى صيانة التحالف مع مصر عبر وضع مسألتي الأخوان وقناة الجزيرة في جداول المطالب والشروط ومن الواضح ان القاهرة تستفيد من دعم إماراتي في هذا الملف الذي هو محور اشتباك مع تركيا التي يحكمها الأخوان ويتواجد فيها قادة تنظيماتهم في المنطقة وينشطون منها إعلاميا وسياسيا وامنيا كذلك.
تحرص الولايات المتحدة على دورها المحوري والقيادي في منظومة الهيمنة على المنطقة ومن الضروري التذكير بان اسطنبول والدوحة لعبتا ادوارا هجومية لمصلحة الخطط الأميركية الصهيونية بالشراكة مع السعودية خلال السنوات الماضية وهي شراكة ما تزال مستمرة ومجسدة على الأرض السورية لاسيما في الجبهة الجنوبية ومن خلال الدور الأردني خصوصا.