الأزمة القطرية والاقتصاد التركي محمد نور الدين
تجاوزت الأزمة القطرية مع «رباعية» السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حدود الأطراف المتنازعة لتطال بتأثيراتها معظم المنطقة. وجاءت المطالب ال 13 والرد القطري السلبي عليها لتشي بأن الأزمة لن تنتهي قريباً. ومن الأمثلة الأبرز على تخطي الأزمة حدود الدول المعنية مباشرة فيها هو الموقف التركي منها منذ بدايتها وحتى اليوم.
وعلى امتداد الأزمة كانت تركيا الوجهة الأساسية للتشاور القطري، سواء عبر وزير خارجيتها أو عبر الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع القطري إلى تركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. حيث كان تأكيد أن مطلب الرباعية إغلاق القاعدة العسكرية التركية الجديدة في الدوحة، انتهاك لسيادة الدولتين وبالتالي استمرار بقاء القاعدة بل تطويرها وتعزيزها.
من المواقف التركية الرسمية أو في الإعلام المؤيد لحزب العدالة والتنمية يبدو جلياً الاصطفاف التركي الحاد إلى جانب قطر، وتغليب الوقوف إلى جانبها على التعاون مع دول الرباعية، وبالتالي فتح باب الصراع إقليمياً ودولياً في أكثر من ساحة. والهدف الأساسي من وراء ذلك هو تدويل الأزمة القطرية وإنقاذ الدوحة من الضغوط الخليجية والمصرية.
وإذا اعتبرنا منذ الآن أن تركيا بهذا الموقف تعزز الشرخ بينها وبين دول الرباعية وترسخ صورة الدولة ذات الحسابات الخاطئة في أكثر من قضية إقليمية، فإن التداعيات السلبية للأزمة القطرية على الاقتصاد التركي لا تقل عن الأضرار التي أصابت الدور التركي في المنطقة عموماً والاقتصاد الذي ارتبط نموه بتطوير وتحسين العلاقات السياسية مع الدول الخارجية، وبالتالي فإن تردي العلاقات السياسية سينعكس حتماً وبصورة سلبية على النمو الاقتصادي.
بعد الصورة الإمبراطورية العثمانية التي أرادت تركيا أن تتعاطى بها مع الأزمة القطرية، بدأت الأصوات تتعالى في الداخل التركي منتقدة الأداء الرسمي غير العقلاني، وما يمكن أن ينتج عنه من خسائر سياسية واقتصادية.
تنقل إحدى الصحف التركية المختصة بالشأن الاقتصادي أن الصادرات التركية إلى السعودية تراجعت في شهر حزيران/ يونيو، أي منذ بدء الأزمة القطرية بنسبة 36 في المئة، وإلى الإمارات بنسبة 20 في المئة، وإلى البحرين بنسبة 5 في المئة، فيما ازدادت إلى قطر بنسبة تقارب الخمسين في المئة. ومع أنه من المبكر ربط ذلك بالأزمة القطرية غير أن مسؤولاً في شركة تركية في السعودية يقول إن حملة مواطنين سعوديين مقاطعة المنتوجات التركية بدأت تظهر نتائجها، ولا يمكن فصل هذا التراجع عن أزمة قطر.
لكن القلق التركي الأكبر هو في قطاع الإنشاءات والبناء الذي يشكل في السعودية والإمارات حوالي 20 في المئة من قطاع البناء التركي في المنطقة.
رئيس مجلس العمل التركي- السعودي، يوسف جواهر يقول إن التأثير في المشاريع الحالية محدود، لكن المناخ العام يؤثر في المشاريع الجديدة.
رئيس اتحاد المتعهدين الأتراك، مدحت يني غون، يقول إن تركيا كانت تتبع سياسات محايدة، لكن مع الأزمة القطرية اتخذت موقفاً منحازاً. لن يؤثر هذا في قطاع التصدير إلى تركيا في القريب العاجل، لكنه سيؤثر في المدى البعيد.
كذلك فإن جمعية مصنّعي مواد البناء الأتراك رفعوا الصوت من أن التصدير إلى دول الخليج سيتراجع. وأن نسبة التصدير إلى السوق السعودية والإماراتية والبحرينية تشكل 18 في المئة من صادرات مواد البناء التركية بقيمة 2.4 مليار دولار.
كذلك يرى رئيس اتحاد مصدري الحبوب والمواد الغذائية زكريا ميتي، كما رئيس اتحاد مصدري المفروشات، أن القلق من تأثر الصادرات سلباً على المدى الطويل.
لا شك أنه لا يمكن فصل الجوانب الاقتصادية عن الجوانب السياسية من الأزمة القطرية. ولكن الخشية الكبرى من أن تنتهي الأزمة على غير ما يشتهي النظام، فيخسر قطر بعدما كان خسر بإرادته ولا عقلانيته دولاً كبيرة أو مؤثرة مثل السعودية ومصر والإمارات ومعها البحرين. تماماً مثل المثل الذي يحب أردوغان أن يكرره بمناسبة ودون مناسبة وهو: «من دقّ دُقّ». أي أن البادئ أظلم، ومن يطرق الباب يسمع الجواب. وقد طرق أردوغان الباب بقوة وبدأ يسمع الجواب بقوة أكبر.
(الخليج)