من هنا يمكن السقوط فقط!: ناحوم برنياع
جيوتي ملهوتارا هي محررة مسؤولة في الصحيفة الهندية «انديان اكسبرس»، وهي شخصية مهنية رائعة، خبيرة وحكيمة. تعرفنا على بعضنا قبل بضع سنوات اثناء مهمة صحافية. وقد تطوعت لتعلمني خبايا السياسة الهندية وهكذا أصبحنا اصدقاء. وعشية زيارة رئيس الحكومة الهندية مودي في البلاد تحدثنا وسألتها عن مكانة مودي في الهند وما الذي يبحث عنه في إسرائيل.
«ما زال مودي هو الشخصية الاكثر شعبية في البيت»، أجابت، «لا أحد من السياسيين يحظى بالشعبية التي يحظى بها، لا سيما في المعارضة. مودي يحمل على أكتاف ورؤوس الجميع. وهو يسعى في هذه الزيارة إلى تحقيق الاعتراف بأنه ينتمي إلى الطرف الجيد في محاربة الإرهاب، أي في الصراع ضد باكستان. وهو يريد تقليدكم، أنتم الإسرائيليون، مثل عمل يشبه ما فعلته إسرائيل عندما قررت ضم الجولان. فقد كانت لإسرائيل جرأة لفعل ذلك رغم انتقادات الغرب. وهو يطمح ايضا إلى ادارة ظهره للانتقاد الدولي وفعل ما يشاء، لأنه قوي ودولته قوية.
«وبصياغة فظة هو يريد أن يكون هنديا مع وقاحة يهودية» (الصحافية كتبت «جرأة يهودية». الوقاحة هي اسهام مني). وقد فاجأني جوابها. فقد عرفت أن مودي هو رئيس حزب قومي هندي، يتعامل مع 175 مليون مسلم في الهند ومع الجارة الإسلامية باكستان بطريقة مختلف عليها. ولم أكن أعرف أنه يخشى من الانتقاد الدولي ويحسد قادة إسرائيل على ثقتهم بأنفسهم.
وأنهت الصحافية رسالتها الالكترونية بسؤال خاص بها: «لماذا نتنياهو متحمس إلى هذه الدرجة؟».
بعض الاسباب مفروغ منها، أجبت. نتنياهو يريد ربط المال الهندي بالمعرفة التي تراكمت هنا في عدة مجالات وتصدير الصناعات الامنية. ومن المهم له الاثبات للحكومات في اوروبا وجمهور ناخبيه في البيت أن إسرائيل غير معزولة في العالم. فأكثر من مليار هندي يحبوننا! وحبهم هذا ينفي ادعاء أن نتنياهو يقوم بابعاد العالم عن إسرائيل، وأن استمرار الاحتلال يضر بمكانتنا الدولية.
وقد كتبت أن هناك سببا آخر وهو أن نتنياهو على قناعة بأن هناك جبهة من الحكومات الدينية القومية اليمينية تنشأ في العالم، وما يوحدها هو الصراع ضد الإسلام. الهند تحت مودي وإسرائيل تحت نتنياهو هن شريكات طبيعيات وحليفات. وبغض النظر عما سيحدث فهن لن يستسلم. حكومات مثل حكومة بولندا وهنغاريا واحزاب في شرق وغرب اوروبا تنتهج نفس الطريق، احيانا مع اضافة لاسامية، وبالطبع الولايات المتحدة ترامب، رغم أن الاخير لن يتدحرج. من الصعب معرفة هذا الامر.
«أنا وأنت سنغير العالم»، قال نتنياهو لمودي أول أمس. وهذه لم تكن بادرة حسن نية لاريك آينشتاين، بل هي خطة سياسية.
«مصدر أول» هي صحيفة يمينية دينية، جمهورها هو القبعات المنسوجة في المستوطنات. في يوم الثلاثاء ألقى نتنياهو خطابا في مؤتمرها. «بين الفينة والاخرى أسمع أن هدف الصحيفة هو تعزيز مكانتي من اليمين»، قال، «وأنا أقول لكم أنه لا حاجة إلى ذلك. أولا أنا يميني، وثانيا أنا قوي».
مفهوم اليمين الذي يحظى في هذه الاثناء بفترة من المد في إسرائيل وفي العالم، يحتاج إلى التعديل. الاجابة على مفهوم «يميني» تتكون من حرفين. أي «صقر». هذا خطأ. فالصقر هو من يؤيد استخدام القوة العسكرية في المواجهات، والقائد الاكثر صقورية في إسرائيل كان شمعون بيرس. اليميني هو شيء مختلف كليا.
تيدي روزفلت الذي كان رئيسا للولايات المتحدة في بداية القرن الماضي اعتبر صقرا واضحا. النصيحة التي قدمها لمن جاؤوا بعده دخلت إلى التاريخ: «قم بحمل عصا كبيرة وتحدث بلطف». هذه النصيحة لم تعد تعني قادة اليمين. فهم يفضلون حمل عصا صغيرة والصراخ بصوت عال. وترامب يعتبر مثالا على ذلك: «لقد هدد إيران كثيرا، لكنه لم يف بوعده الغاء الاتفاق النووي. وهدد الصين لكنه تراجع. وقام باصدار عدة تصريحات متشددة ومتعجرفة تجاه كيم جونغ أون، ديكتاتور كوريا الشمالية. وعندما أدركوا في بيونغ يانغ أنه ليست هناك نية حقيقية من وراء هذه التصريحات، بدأت الصواريخ تتطاير».
نتنياهو له تجربة أكثر من ترامب في هذه اللعبة. فهو يعرف أن الشعب لا يريد الحروب ـ هو يريد كلاما حربيا. الدرس واضح: لا تسعى إلى الحرب، بل إلى لهجة الحرب. امنحهم عدوا كي يخافوا منه، وامنحهم توترا أمنيا دائما، واحذر من منحهم جنازات عسكرية.
نتنياهو يصف أبو مازن في خطاباته بأنه مصدر المشكلات للشعب اليهودي، هو هتلر جديد تقريبا. وفعليا، حكومته تتعاون مع أبو مازن في المجال الاكثر حساسية، الأمن، صبح مساء. وقد التقى نتنياهو في هذا الاسبوع مع عضو الكنيست السابق من اليسار. وحاول نتنياهو أن يكون مؤدبا. «نحن نفعل الآن الكثير من اجل عرب إسرائيل»، قال. «وماذا عن الفلسطينيين؟»، تساءل الشخص الذي يحاوره فهمس نتنياهو بطريقة تظهر أنه يعرف ما الذي يقوله الفلسطينيون فيما بينهم في الغرف المغلقة، «إنهم يريدون يافا»، قال.
كل شيء يسير الآن حسب رغبته، مثل حجر النرد. قبل سنوات حذر الخبراء من أن الهجرة الإسلامية إلى اوروبا الغربية ستترجم في الاصوات في صناديق الاقتراع وستبعد الحكومات عن إسرائيل. إلا أن ما حدث هو العكس. فالهجرة الإسلامية تعتبر تهديدا للأمن الشخصي للارث الثقافي الديني لاوروبا. وإسرائيل حصلت على التقدير كدولة مستقرة، قوية وجزيرة آمنة في قلب منطقة إسلامية خطيرة. الصور الفظيعة من سوريا والعراق عملت على تراجع المشكلة الفلسطينية إلى هامش برنامج العمل. والتجربة التي راكمتها إسرائيل في صراعها ضد الإرهاب تعنى بها الحكومات في اوروبا أكثر من اهتمامها بما يتسبب به الاحتلال، تجديد صناعة الهاي تيك أكثر أهمية من توسيع المستوطنات، هذا دون الحديث عن امريكا ترامب.
تعتبر هذه الفترة فترة جيدة لدولة إسرائيل، وممتازة بالنسبة لنتيناهو.
أمس التقط صورة مع مودي على شاطيء البحر قرب تل أولغا. وفي الصورة التي اختارها مكتب رئيس الحكومة يظهران وهما يقفان على شاطيء البحر وأرجلهما في مياه البحر، نتنياهو يتحدث ومودي يستمع. وفي صورة اخرى ظهر نتنياهو وهو يقود السيارة ومودي يجلس إلى جانبه بشكل منضبط مثل الطفل الذي يجلس بجانب والده.
اذا كان كل شيء جيدا فلماذا يخشى نتنياهو إلى هذه الدرجة، لماذا يخضع لكل تهديد فارغ من قبل هذا الشريك الائتلافي أو ذاك، وفي نهاية المطاف يتراجع. التحقيق معه في الشرطة هو التفسير، والشعور بالتعب ايضا، وأنه ضاق ذرعا من وجود عائلته البارز في حياتنا. ولكن هذا ليس كافيا.
عند البقاء فترة طويلة في رأس الهرم، يمكن أن يؤدي النظر إلى المنظر الطبيعي في الأسفل إلى الدوار. من هذا المكان يمكن السقوط فقط. ونتنياهو يوجد في رئاسة الحكومة منذ 12 سنة، اربع سنوات في الولاية الاولى، وثماني سنوات في الولاية الثانية والثالثة. وقد وصل إلى نقطة يستطيع هو وحده فيها أن يسقط نفسه، وليس غباي أو بيرتس أو لبيد. فقط نتنياهو. وقد سمى اليونانيون هذا الامر «هبريس».
يديعوت