معركة سورية مع الطرف الأمريكي- الصهيوني د. إبراهيم علوش
منذ البداية، وفي أصعب اللحظات، رددنا: ثقوا بالجيش العربي السوري… وشتان ما بين المرحلة التي نعيشها اليوم ومرحلة خلط الأوراق في بداية الأزمة. لقد انتقل كثيرون ممن كانوا قد هللوا لما يسمى “الربيع العربي”، وممن كانوا يرجمون الواقفين مع سورية بالحجارة، إلى مربع الجيش العربي السوري، حتى أن بعضهم راح يزايد كثيراً، لعله يمحو شيئاً من عاره وانتهازيته وبلادته السياسية .
والذين تمسكوا بالعروة الوثقى ولم تُضِلْ بوصلتهم، في سورية أو ليبيا، منذ لاح الدعم الإمبريالي والصهيوني والرجعي العربي لما يسمى “الثورات”، يقولون: أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً، فالكل سجله معروف، لكن الأعمال بخواتيمها. أما الزرازيرُ التي انتفخت بالغاز القطري حتى توهمت أنها صارت شواهينَ، فحرامٌ على محور المقاومة أن يمرر التحولات في خطابها من دون مطالبتها بعرضِ حالٍ علني، إذ أن بعضها بات يتحدث عن المقاومة ومواجهة أمريكا والصهيونية، تحديداً بعد الخلاف السعودي-القطري، كأنه “أمها وأبوها”، متناسياً كل الطعنات الغادرة التي وجهها على مدى سنوات لسورية وداعميها!
تزداد معالم الصراع في سورية وضوحاً يوماً بعد يوم فيما تتكشف ستارة المشهد عن علو يد الدولة السورية ومحور المقاومة فيه وهيمنتهما على مقاليده. ولا شك في أن مراكمة النقاط بصبرٍ ودراية، عبر أسوأ سني الأزمة وآلامها، هو الذي أسفر عن الرجوح الواضح للجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة على الميدان وفي السياسة. فتلك مرحلة صعبة كان لا بد من المرور عبرها لكي يفهم الآن من لم يكن يفهم من قبل معنى القول: إما سورية وإما الكيان الصهيوني. وعندما تنبلج المسألة بهذا الشكل، أي كما كانت منذ البداية أصلاً ولو لم تكن بالوضوح نفسه، يضعُف تأثير الضخ الطائفي وخلط الأوراق، ونعود إلى حلبة المربع الأول: حلبة التناقض الرئيسي مع أعداء الأمة، لا أعداء سورية فحسب.
لا شك في أن رجوح كفة الجيش العربي السوري، والتحسب منه، هو الذي دفع الطرف الأمريكي-الصهيوني لكي يدخل المشهد مباشرةً بديلاً عن الوكلاء. فالحلقة الأساسية في المشهد اليوم هي الدفاع عن سيادة سورية ووحدة أراضيها في مواجهة حكومة الولايات المتحدة والعدو الصهيوني، ليحل الاشتباك المباشر واحتمالات تطوره إلى مواجهة أوسع محل “حرب الاستنزاف” التي شُنت على سورية عبر الأدوات الإرهابية.
وإذا كان أعداء سورية قد ولجوا الحلبة من بوابة “محاربة الإرهاب”، فإن سقوط قلاع الإرهاب الذي أطلقوه على سورية الواحدة تلو الأخرى، ميدانياً، تحت بساطير الجيش العربي السوري وحلفائه، وسياسياً، بفضل حسن الإدارة السياسية والدبلوماسية للدولة السورية ومحور المقاومة من جهة، وتحت وطأة تفكك الحلف الإقليمي المعادي من جهة أخرى، هو الذي كشف الوجوه وغيّرَ المواقف وعرّى حقيقة الصراع باعتباره صراعاً على سورية ومن أجلها مع الطرف الأمريكي-الصهيوني وأدواته لم يكن الإرهاب التكفيري إلا أحد فصوله الوحشية.
من مدينة البعث في ريف القنيطرة إلى التنف والزكف في البادية، وعلى طول الحدود العراقية-السورية، وصولاً إلى محافظة الحسكة التي كشفت وسائل إعلام أردنية مؤخراً أن “التحالف الدولي” سوف يؤسس قاعدة عسكرية فيها في منطقة الشدادي التي تبعد عن دير الزور 15 كيلومتراً لإحدى الجماعات الإرهابية، بات من الواضح إذاً أن المعركة هي معركة مباشرة مع حكومة الولايات المتحدة ومع العدو الصهيوني، وأنها معركة تدور رحاها حول السعي لـ”اقتطاع مناطق نفوذ” في سورية، ولـ”عرقلة” التقدم المظفر للجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة في عموم سورية في اللحظة التي أثبت فيها الإرهاب فشله في تحقيق الهدف نفسه، هدف “صوملة” سورية، وفي اللحظة التي خسر فيها الإرهاب معركته استراتيجياً، حتى لو ظل قادراً على إطلاق أعمال إرهابية هنا أو هناك لا تعدو عن كونها “مفرقعات سياسية” في الميزان العام.
قصف أحياء مدنية في مدينة درعا أو تفجير سيارة مفخخة في ساحة التحرير في دمشق، أو غير ذلك من الأعمال الإرهابية، ما كان ليتم من دون دعم لوجستي للجماعات الإرهابية المسلحة من الخارج، من الطرف الأمريكي-الصهيوني بغض النظر عن القنوات التي تمر عبرها… أغاظهم رفع الحواجز في دمشق، وتأدية السيد الرئيس بشار الأسد لصلاة العيد في مسجد النوري في حماة، وتجول السيد الرئيس في دمشق، وتحرير المسجد النوري في الموصل، وإنجازات الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة عبر النقاط الحدودية القصية، من درعا إلى السويداء إلى ريف دمشق إلى ريف حمص، وأغاظهم وصال العراق وسورية فوق كيد المعتدي، فأرادوا أن يعكروا صفو الإنجاز والانتصار، إنما هي أضغاث أحلام، فـ”داعش” يتداعى في ريف حلب وفي كل مكان، من الموصل إلى دير الزور، والرقة لن تكون إلا عربية سورية كما هي منذ الأزل.
وما عدا “داعش” و”النصرة”، كقوى نجحت سورية بعزلها سياسياً، تمهيداً لسحقها ميدانياً، ظهرت جماعات ما يسمى بـ”الجيش الحر” على طول حدود سورية الجنوبية باعتبارها واجهات “معتدلة” رثة إما للأمريكان أو للعدو الصهيوني أو للكامخ بينهما، إن همُ شاءوا “الجيش الحر” يشأ، و”إن شاءوا أن يمشوا على خدهم مشوا”، مع كل الاعتذار للحلاج.
العبرة أن كل تلك الجماعات الوكيلة لا تمثل وزناً ولا قيمة مضافة لا في “أستانا” ولا في “جنيف”، وقاعدة الشدادي كغيرها ستكون للأمريكان لا لهم، والمواجهة السياسية كما الميدانية تبقى مع الأصيل لا الوكيل. وقد أدرك الروس جيداً معنى التهديدات الأمريكية لسورية فردوا عليها بمثلها وأحسن، والواقع يبقى أن الوكلاء فشلوا، والأصلاء أعجز من أن يدخلوا معركة حقيقية، فلم تتبقَ لهم إلا التهديدات الجوفاء، ونحن اليوم في الفصل ما قبل الأخير، وشاء من شاء، وأبى من أبى، سورية ستنتصر.
تشرين 5/7/2017