ذرائع القطيعة مع سورية
غالب قنديل
الذرائع والحجج التي رفض بها ثلاثي المستقبل والقوات وجنبلاط حتى اليوم أي اتصال رسمي بين الحكومتين اللبنانية والسورية تخالف البديهيات الدستورية والقانونية وتعاكس الحسابات الواقعية البراغماتية وهي تناقض المصالح اللبنانية القريبة والبعيدة امنيا واقتصاديا واجتماعيا.
اولا شرعية الدولة الوطنية السورية ورئيسها معترف بها دوليا ومكرسة في الأمم المتحدة ولا تقوم سياسات الدول وقراراتها على مزاج سياسي استنسابي فثمة أصول في القانون الدولي الذي نظم المعترضون به القصائد عشرات السنين وطبلوا اللبنانيين بالكلام عنه وتصيدوا عبره قيودا ضد المقاومة خدمت العدو الصهيوني واحتلاله للأرض واعتداءه على السيادة، والسؤال اليوم أنتم مع الشرعية الدولية ام ضدها ؟ الشرعية الدولية تقول ان الحكومة السورية والدولة السورية والجيش العربي السوري والرئيس بشار الأسد هم العناوين التي ينبغي التعامل معها في أي شأن يخص العلاقة اللبنانية السورية.
الحقيقة التي تفرض نفسها تقول إنه لا شأن لأي من الساسة اللبنانيين بالإفتاء في هذا الموضوع وهم يحشرون انوفهم في ما لا يعنيهم بل يعني سورية وشعبها والدولة السورية بمؤسساتها التي يتعامل معها معظم دول العالم بوصفها الكيان الدستوري الشرعي الممثل للجمهورية العربية السورية وهذه حقيقة تترسخ بقوة التحولات الميدانية القاهرة وهي على وشك بلوغ تحولات غير مسبوقة منذ انطلاق العدوان على سورية ولا يمكن الارتداد عليها ولذلك يبدو هذا الاعتراض عكس السير كليا.
ثانيا في الدستور اللبناني وميثاق الطائف نصوص تتعلق بالعلاقة اللبنانية السورية ومعاهدات تم إبرامها ولم يجر التراجع عنها لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب ويعلم هؤلاء المعترضون ان جهات لبنانية وازنة ترى عكس ما يروجونه من كراهية واحقاد حول العلاقة بالدولة السورية والحكومة السورية التي يشكل تخريبها وتعطيلها الجاري منذ اثني عشر عاما نقضا لمبدأ ميثاقي رئيسي ربطت به عروبة لبنان كمفهوم واعتبر من أركان الوفاق الوطني .
في الحساب التجريبي تراكمت في تاريخ العلاقات اللبنانية السورية شواهد كثيرة وهائلة على حجم المصالح اللبنانية المشتركة مع سورية التي تحتم تواصلا دائما بين الدولتين ومؤسساتهما وبغض النظر عن التباينات السياسية في مواقف الحكمين القائمين في لبنان وسورية على السواء وأي تعامل رشيد ومخلص للمصالح الوطنية اللبنانية لابد وان يقود إلى سلوك طرق التواصل والعمل المشترك في ظروف طبيعية فكيف بوجود عوامل استثنائية وقاهرة تستدعي التحرك المشترك مع الدولة السورية.
ثالثا يواجه لبنان تحديات امنية واجتماعية وجودية تفرض التنسيق والتعاون بين سورية ولبنان عسكريا وامنيا واجتماعيا سواء بما يخص المعركة المشتركة ضد عصابات الإرهاب والتكفير التي راهن المعترضون في احتضانهم لها قبل سنوات على ان تكون اداتهم لقلب الحكم في سورية وتوهموا الكثير فخاب رهانهم او كذلك في ملف النازحين الذين سعوا إلى تجنيدهم في استهداف بلدهم وتاجروا بأوجاعهم واقتنصوا الكثير من جمعيات الإغاثة والحملات السعودية القطرية التي ذهبت اموالها غالبا لفصائل الإرهاب عبر وسطاء لبنانيين تركوا الفتات للنازحين وتلقوا العمولات كما تكفلوا بخدمات إعلامية وسياسية منها تعطيل العلاقات اللبنانية السورية.
ولما انقلبت غالبية النازحين في صحوة وطنية بينتها مسيرات المقترعين الذين زحفوا إلى السفارة السورية لانتخاب الرئيس بشار الأسد أثاروا خيبة وهستيريا عند هذا الفريق السياسي نفسه الذي فاض بالعنصرية في ردة فعله على الحدث الصادم.
رابعا ليس الحقد والكراهية وحدهما ما يحرك هذه الجهات اللبنانية التي تورطت في الحرب على سورية بل ثمة في مواقفها بعد خطير هو تلبية المشيئة الخارجية الأميركية السعودية التي تقضي بعدم فتح أي قنوات مع الدولة السورية او مؤسساتها حتى ترتأي حكومتا الولايات المتحدة والمملكة السعودية ذلك وهم يحملون لبنان تبعات هذا الموقف لحساب هذه الجهات الخارجية التي يرتبطون بها ويستلهمون توجيهاتها وعندما كانت لدى تلك الجهات توجيهات تقضي بالاتصال مع سورية حصلت زيارات واتصالات لبنانية سورية يذكرها الجميع ولذلك يكذب كل من يقول إن التمسك بالقطيعة مع سورية هو نتيجة رؤيته للمصلحة اللبنانية فالحقيقة ليس سوى نتيجة التزامه بالتوجهات الأميركية السعودية.
إن منع واشنطن والرياض لأي اتصال لبناني سوري يهدف إلى مسك هذه الورقة والمفاوضة عليها لاحقا مع دمشق وفي ذلك مس بمصالح لبنان وتسخير لمعاناة لبنان الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في خدمة مصالح غير لبنانية …