مقالات مختارة

قمة العشرين :منافسة صينية أمريكية على أوروبا أحمد مصطفى

 

تعانى الإدارة الأمريكية من حالة من الفوضى في صنع القرار وعليه فإن المعضلة تتلخص في الاعتماد على معلومات كاذبة تحصلت عليها مراكز البحوث الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في منطقتنا “الشرق الأوسط “.

وحيث يسيطر التيار المتعصب والليبراليون الجدد على صنع القرار في كل من الحزبين اليمينيين الكبيرين (الديمقراطي والجمهوري)، مع غياب اليسار الحقيقي الذي يمكن أن يكون مثل حامل الميزان في صنع السياسة الأمريكية، إن وجد، ومع التنافس الشديد بين رئيس غير محترف والمؤسسات الأمريكية، وخاصة في الشأن القطرى، فلم تقاطع المؤسسات الأمريكية قطر، بل أنها تعمق العلاقات معها، فى حين أن الرئيس قابل للتغيير.

تتفهم الصين جيدا كل نقاط الضعف هذه في الجانب الأمريكي، ليس فقط من خلال التعاون الإستراتيجى الاكبر بين الصين وروسيا، وذلك باستخدام هذه الفرصة الكبيرة وغير المسبوقة ليقولا لـ “الولايات المتحدة الأمريكية يرجى الابتعاد عن قيادة العالم الآن، فإنه لم يعد لديك دور فى ذلك” فإما أن تتعاونى معنا، وإلا فإننا سوف نفعل ما ينبغي القيام به بشكل صحيح وأفضل مما كنت تفعلين.

لذا فإن الصين تدعم “بوتين” كلاعب دولي ذكي مثالي لوضع الولايات المتحدة وأوروبا تحت ضغوط، عندما آثرت المؤسسات وجماعات الضغط الأمريكية تأجيل الاجتماع المتوقع بين (بوتين وترامب) لفترة طويلة، خشية أن يفوز بوتين أكثر بكثير مما يحصل عليه حاليا، كما يمكن من خلال لعبه مع ترامب أن يجعله يقر ببعض المراسيم أو الاتفاقات ضد مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها ممثلة في إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة في المنطقة، وذلك عندما حقق بوتين فوزا في معركتى سوريا والعراق ضد “الإرهاب”، وبات واضحا انه ليس هناك بديل للنظام الرسمي الحالي في سوريا.

وحالما قامت دولة قطر بضربتها المحترفة عبر اللجوء إلى كل من إيران وروسيا وتركيا، في تحول غير متوقع، الأمر الذي أدى لانعكاسات إيجابية حالية على الاستقرار في منطقتنا، لأن أحد الشروط المعطاة لدولة قطر للحماية هو الحد من الدعم المالي للجماعات الإرهابية في سوريا على سبيل المثال النصرة وداعش.

من ناحية أخرى، نفذت الصين بالفعل مبادرتها التجارية العالمية “حزام واحد طريق واحد” التي ستربط وتضم نحو 64 بلدا من الشرق الأقصى حتى بريطانيا، والتي تسير مرورا بـ “آسيا الوسطى، وأوراسيا، والشرق الأوسط، ووسط وغرب أوروبا” مع أول دفعة ضختها تقدر بحوالى تريليون دولار، في حين أن “تنين الإقتصاد والتجارة الصيني الحالى” لن يبقي أوروبا بعد الآن في دور الفناء الخلفي للشركات الأمريكية.

حيث ستقوض الصين من خلال هذه المبادرة الوجود الأمريكي في أوروبا، إلا ان الصين على الأقل لا تتدخل في الأنظمة السياسية الأوروبية، ولكنها تقدم فقط التعاون الاقتصادي الذي قد يعوض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلال صفقات مربحة للجانبين، بعيدا عن العجز الاقتصادي في الولايات المتحدة، فضلا عن الضغوط الأمريكية التي تمارس على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في الاتحاد الأوروبي لتسديد مساهماتها فيه.

ولما كانت الصين وروسيا تلعبان دورا حاسما في مسألة الوقود النظيف، حيث تعتبر روسيا أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم، ثم إيران وقطر، في حين أن الأمل الوحيد أمام دول الاتحاد الأوروبي في الطاقة النظيفة والوقود هو الغاز الطبيعي المسال الروسي، لأنه سيوفر عليهم الكثير من المال، وخاصة دول أوروبا الوسطى والشرقية التي تعاني من العقوبات المفروضة على روسيا، بعد إيقاف مشروع السيل الجنوبي التي من شأنه تزويد أوروبا بالغاز عبر أوكرانيا.

بالمقابل، وسعت روسيا عقوباتها على الدول الأوروبية وخاصة دول وسط وشرق أوروبا، التي كان من المفترض أن تزود روسيا بالمحاصيل الزراعية “الفواكه والخضروات”، لكى تبدأ في الحصول على الغاز الطبيعي المسال من إسرائيل كـ بديل، فإن هذا الأمر سيستغرق ما لا يقل عن 5 سنوات لتوفير البنية التحتية المطلوبة لهذا الغرض، ويجب على إسرائيل أيضا اللجوء إلى الصين في هذا الصدد لأن الصين هي أفضل مقاول في هذا النوع من الموانئ في العالم.

لكن الصين لا تستطيع الابتعاد عن روسيا وايران فى هذا الصدد باعتبارهما شريكين استراتيجيين رئيسيين، بالاضافة الى الهند وباكستان، وقامت هذه الدول بالاشتراك معا فى عدة مشاريع فى “مبادرة طريق الحرير” بينما حصلت كلا من ايران وباكستان على مساهمات كبيرة من الصين حوالى 100 مليار دولار و 65 مليار دولار على التوالي لمشاريع مجدية سيتم تنفيذها في البلدين قريبا جدا.

لسوء الحظ، كان يمكن لمصر أن تحصل على عشرات المليارات من الدولارات من الصين مثل “إيران وباكستان”، كبديل لقرض صندوق النقد الدولي الذي يقوض السيادة الاقتصادية المصرية؛ وكما نعلم أن هذا القرض يتم تمويله من قبل كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبالتالي فإن الأخيرتين مع الولايات المتحدة دفعت مصر للتنازل عن سيادتها على الجزيرتين المصريتين “تيران وصنافير” في خليج العقبة وتسليمهما إلى المملكة العربية السعودية لمصالحهم الاستراتيجية الخاصة وفي حادث غير مسبوق، وبتجاهل لقرار نهائي صادر عن المحكمة العليا في مصر؛ ولكن فكرة عدم وجود رؤية علمية واستراتيجية، فضلا عن عدم التفكير فى الحليف الحقيقي لا يزال قائما، لأنه بمجرد أن نسأل الخبراء السياسيين أو الاقتصاديين الصينيين عن مصر، يجيبون “نعم”، مصر بلد مهم جدا بالنسبة لنا، ونحن نرغب حقا في دعمها، ولكن الإدارة المصرية لم تعطنا الفرصة بعد، لأننا نستطيع تمويل جدول أعمال لمشاريع مجدية ، ولكن لا أن نفكر نيابة عن المصريين، لأنهم يدركون أكثر منا قيمة بلدهم وأهميتها.

أيضا كان يمكن لمصر ان تتحصل على موارد للطاقة سواء “نفط أو غاز مسال” بأسعار تفضيلية وبالجنيه المصرى من حلفائنا الإستراتيجيين، إن أحسنت قيادة المفاوضات، وخصوصا مع روسيا وايضا إيران والتى اعلنت هذا صراحة فى اكتوبر الماضى وكذلك العراق والجزائر، وليس فقط من آرامكو السعودية “المدارة أمريكيا”، والتى تريد السيطرة على القرار المصرى، بل ضغطت من خلال شروط صندوق النقد الدولى برفع دعم المحروقات على الفقراء فى مصر.

الأمر الذى زاد الوضع سوءا ورفع تعريفة المواصلات العامة، بالرغم من إنخفاض سعر البترول والمشتقات فى العالم أجمع دون 50 دولار للبرميل، وايضا بالرغم من الإكتشافات المصرية الغازية الكبرى فى البحر المتوسط التى أعلن عنها مؤخرا، وحيث بحلول نهاية 2017 سيكون لدينا اكتفاء ذاتى من الغاز الطبيعى، والتى من خلالها يمكن إحلال الوقود النفطى بالغازى، وبالتالى لن تبقى لدينا حاجة لإستيراد مشتقات بترولية من السعودية أو الإمارات.  

كما أن الخبراء الصينيين والروس يريدون دائما لـ مصر أن تكون رمانة الميزان وأم العالم العربي كما كانت من قبل، وفقا لتاريخها وحضارتها العظيمة، وعدم وضع نفسها في نزاع إقليمي مع أي دولة عربية، ويعتقد الروس والصينيون أن وجودها كطرف في أى نزاع، فضلا عن العجز في تسوية أي مسألة دبلوماسيا وسلميا، فهذا يعني أن الدبلوماسية المصرية تعاني قليلا، وأن هذه ليست الدبلوماسية القوية المعهودة السابقة لمصر، حيث أننا نعرف أن الدبلوماسية المتمثلة في وزارة الخارجية تعتبر العلاقات العامة الدولية لأي بلد، وعندما تكون فعالة ومرنة وقوية فهذا يعني أن الدولة تتحرك على الطريق الصحيح.

وعلاوة على ذلك، ومع اللجوء إلى الغاز الطبيعي المسال للحصول على طاقة أفضل ونظيفة، فضلا عن زيادة إمدادات النفط في الأسواق الدولية، فإن أسعار النفط الخام ستصبح دون الـ 50 دولار، وبالتالي فإن العجز في ميزانية كل من “الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة” سيصل إلى حافة خطيرة جدا، وأن هذه البلدان لن تتنافس بعد الآن مع الصين، حيث أن الصين لديها الآن تعاون استراتيجي اقتصادي أكبر مع أوروبا، في حين أن المعاملات الاقتصادية اليومية بين الصين والاتحاد الأوروبي وصلت إلى ” 1 مليار يورو” لصالح الصين، أغنى دولة في العالم الآن، وأكبر دولة صناعية وزراعية، في حين أن الاتحاد الأوروبي سيكون مستعدا لاستضافة حوالي 100 مليون سائح صيني في عام 2018.

المنافسة القادمة ستجرى في الاتحاد الأوروبي، لذلك نطرح نفس سؤال عنوان هذه المقالة، هل الاتحاد الأوروبي سيصبح أمريكيا أو صينيا؟ وبالتالي يجب أن ننتظر إجابات محددة في قمة مجموعة العشرين التي ستعقد بعد أيام قليلة في هامبورغ، ألمانيا من 7-8 يوليو.

         الكاتب باحث مصري في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية والإقليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى